المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا} (28)

ثم عدد النعم على عباده في خلقهم وإيجادهم وإتقان بنيتهم وشدِّ خلقتهم ، والأسر : الخلقة واتساع الأعضاء والمفاصل ، وقد قال أبو هريرة والحسن والربيع الأسر : المفاصل والأوصال ، وقال بعضهم الأسر : القوة : ومنه قل الشاعر : [ الوافر ]

فأنجاه غداة الموت مني*** شديد الأسر عض على اللجام{[11532]}

وقول آخر [ الأخطل ] : [ الكامل ]

من كل محتدب شديد أسره*** سلس القياد تخاله مختالا{[11533]}

قال الطبري ومنه قول العامة : خذه بأسره يريدون خذه كله{[11534]} .

قال القاضي أبو محمد : وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه ، وليس هذا مما يختص بالعامة بل هو من فصيح كلام العرب . اللهم إلا أن يريد بالعامة جمهور العرب ومن اللفظة الإسار وهو القيد الذي يشد به الأسير ، ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة والوعيد بالتبدل احتجاجاً على منكري البعث ، أي من هذا الإيجاد والتبديل إذا شاء في قدرته ، فكيف تتعذر عليه الإعادة .


[11532]:غداة الموت: صباح يوم الموت، وشديد الأسر: قوي المفاصل، والمراد هنا الفرس، يقول: أنقذه مني عند اشتداد المعركة وكثرة الموت فرس قوي متين. والشاهد أن الأسر بمعنى القوة. وبم أقف على قائل هذا البيت.
[11533]:البيت للأخطل، وهو في الطبري، والقرطبي، والشوكاني، وهو في وصف الخيل، والمجتنب: الذي يرفقه صاحبه بجانب فرسه ولا يركب عليه، وكان العرب يركبون الإبل ويجنبون الخيل فإذا صاروا إلى الحرب ركبوا الخيل، وشديد الأسر: قوي، وسلس القياد: ينقاد في سهولة إذا قاده صاحبه إلى جانبه، ومختالا: يخيل إليك أنه من نشاطه وحيويته يختال في مشيته، والبيت شاهد على أن الأسر بمعنى القوة.
[11534]:نص عبارة الطبري: "ومنه قول العامة: خذه بأسره، أي: هو لك كله"، وواضح أن الطبري فعلا قد أراد جمهور الناس.