ثم إنه تعالى لما ذكر أن الداعي لهم إلى هذا الكفر حب العاجل ، قال : { نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ، وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا } .
والمراد أن حبهم للعاجلة يوجب عليهم طاعة الله من حيث الرغبة ومن حيث الرهبة ، أما من حيث الرغبة فلأنه هو الذي خلقهم وأعطاهم الأعضاء السليمة التي بها يمكن الانتفاع باللذات العاجلة ، وخلق جميع ما يمكن الانتفاع به ، فإذا أحبوا اللذات العاجلة ، وتلك اللذات لا تحصل إلا عند حصول المنتفع وحصول المنتفع به ، وهذان لا يحصلان إلا بتكوين الله وإيجاده ، فهذا مما يوجب عليهم الانقياد لله ولتكاليفه وترك التمرد والإعراض ، وأما من حيث الرهبة فلأنه قدر على أن يميتهم ، وعلى أن يسلب النعمة عنهم ، وعلى أن يلقيهم في كل محنة وبلية ، فلأجل من فوت هذه اللذات العاجلة يجب عليهم أن ينقادوا لله ، وأن يتركوا هذا التمرد ، وحاصل الكلام كأنه قيل لهم : هب أن حبكم لهذه اللذات العاجلة طريقة مستحسنة ، إلا أن ذلك يوجب عليكم الإيمان بالله والانقياد له ، فلو أنكم توسلتم به إلى الكفر بالله ، والإعراض عن حكمه ، لكنتم قد تمردتم ، وهذا ترتيب حسن في السؤال والجواب ، وطريقة لطيفة : وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال أهل اللغة : الأسر الربط والتوثيق ، ومنه أسر الرجل إذا وثق بالقد وفرس مأسور الخلق وفرس مأسور بالعقب ، والمعنى شددنا توصيل أعضائهم بعضا ببعض وتوثيق مفاصلهم بالأعصاب .
المسألة الثانية : { وإذا شئنا بدلنا أمثالهم } أي إذا شئنا أهلكناهم وآتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم ، وهو كقوله : { على أن نبدل أمثالكم } والغرض منه بيان الاستغناء التام عنهم كأنه قيل : لا حاجة بنا إلى أحد من المخلوقين البتة ، وبتقدير أن تثبت الحاجة فلا حاجة إلى هؤلاء الأقوام ، فإنا قادرون على إفنائهم ، وعلى إيجاد أمثالهم ، ونظيره قوله تعالى : { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا } وقال : { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } ثم قيل : { بدلنا أمثالهم } أي في الخلقة ، وإن كانوا أضدادهم في العمل ، وقيل : { أمثالهم في الكفر } .
المسألة الثالثة : قال صاحب الكشاف في قوله : { وإذا شئنا } إن حقه أن يجيء بأن لا بإذا كقوله : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } { إن يشأ يذهبكم } واعلم أن هذا الكلام كأنه طعن في لفظ القرآن ، وهو ضعيف لأن كل واحد من إن وإذا حرف الشرط ، إلا أن حرف إن لا يستعمل فيما يكون معلوم الوقوع ، فلا يقال : إن طلعت الشمس أكرمتك ، أما حرف إذا فإنه يستعمل فيما كان معلوم الوقوع ، تقول : آتيك إذا طلعت الشمس ، فهاهنا لما كان الله تعالى عالما بأنه سيجيء وقت يبدل الله فيه أولئك الكفرة بأمثالهم في الخلقة وأضدادهم في الطاعة ، لا جرم حسن استعمال حرف إذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.