{ قَالَ كَلا } أي : قال الله له : لا تخف من شيء من ذلك كما قال : { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا } أي : برهانا { فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } [ القصص : 35 ] .
{ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ } كما قال تعالى : { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [ طه : 46 ] أي : إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ كَلاّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنّا مَعَكُمْ مّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولآ إِنّا رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ } .
يقول تعالى ذكره : كَلاّ : أي لن يقتلك قوم فرعون فاذْهَبا بآياتِنا يقول : فاذهب أنت وأخوك بآياتنا ، يعني بأعلامنا وحججنا التي أعطيناك عليهم . وقوله : إنّا مَعَكُمْ مُسْتَمعُون من قوم فرعون ما يقولون لكم ، ويجيبونكم به .
وأمر موسى وهارون بخطاب لموسى فقط ، لأن هارون ليس بمكلم بإجماع ، ولكن قال لموسى «اذهبا » أي أنت وأخوك ، والآيات تعم جميع ما بعثهما الله به وأعظم ذلك العصا بها وقع العجز ، [ واليد البيضاء ]{[8912]} ، وبالآيتين تحدى موسى عليه السلام ، ولا خلاف في أن موسى عليه السلام هو الذي حمله الله أمر النبوة وكلها ، وأن هارون كان نبياً رسولاً معيناً له وزيراً ، وقوله { إنا معكم } إما على أن يجعل الاثنين جماعة ، وإما أن يريدهما ، والمبعوث إليهم وبني إسرائيل ، وقوله { مستمعون } على نحو التعظيم والجبروت التي لله تعالى ، وصيغة قوله { مستمعون } تعطي اهتبالاً بالأمر ليس في صيغة قوله «سامعون » ، وإلا فليس يصف الله تعالى بطلب الاستماع ، وإنما القصد إظهار التهمم ليعظم أنس موسى أو تكون الملائكة بأمر الله إياها تستمع .
{ كلاَّ } حرف إبطال . وتقدم في قوله تعالى : { كلا سنكتب ما يقول } في سورة [ مريم : 79 ] . والإبطال لقوله : { فأخاف أن يقتلون } [ الشعراء : 14 ] ، أي لا يقتلونك . وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قال : { وَلَهم عليَّ ذنب فأخاف أن يقتلون } [ الشعراء : 14 ] .
وقوله : { فاذهبا بآياتنا } تفريع على مُفاد كلمة { كلاّ } . والأمر لموسى أن يذهبَ هو وهارُون يقتضي أن موسى مأمور بإبلاغ هارون ذلك فكان موسَى رسولاً إلى هارون بالنبوءة . ولذلك جاء في التوراة أن موسى أبلغَ أخاه هارون ذلك عندما تلقّاه في حوريب إذ أوحى الله إلى هارون أن يتلقاه ، والباء للمصاحبة ، أي مصاحبَيْن لآياتنا ، وهو وعد بالتأييد بمعجزات تظهر عند الحاجة . ومن الآيات : العصا التي انقلبت حية عند المناجاة ، وكذلك بياض يده كما في آية سورة [ طه : 17 ] { وما تلك بيمينك يا موسى } الآيات .
وجملة : { إنا معكم مستمعون } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن أمرهما بالذهاب إلى فرعون يثير في النفس أن يتعامى فرعون عن الآيات ولا يَرعوي عند رؤيتها عن إلحاق أذى بهما فأجيب بأن الله معهما ومستمع لكلامهما وما يجيب فرعونُ به . وهذا كناية عن عدم إهمال تأييدهما وكفِّ فرعون عن أذاهما . فضمير { معكم } عائد إلى موسى وهارون وقوم فرعون . والمعية معية علم كالتي في قوله تعالى : { إلاّ هو معهم أين ما كانوا } [ المجادلة : 7 ] .
و { مستمعون } أشدّ مبالغة من ( سامعون ) لأن أصل الاستماع أنه تكلف السماع والتكلف كناية عن الاعتناء ، فأريد هنا علم خاص بما يجري بينها وبين فرعون وملئه وهو العلم الذي توافقه العناية واللطف .
والجمع بين قوله : { بآياتنا } وقوله : { إنا معكم مستمعون } تأكيد للطمأنة ورباطة لجأشهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.