الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالَ كَلَّاۖ فَٱذۡهَبَا بِـَٔايَٰتِنَآۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ} (15)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قال كلا فاذهبا بآياتنا} لا تخافا القتل {إنا معكم مستمعون}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"كَلاّ": أي لن يقتلك قوم فرعون "فاذْهَبا بآياتِنا "يقول: فاذهب أنت وأخوك بآياتنا، يعني بأعلامنا وحججنا التي أعطيناك عليهم. وقوله: "إنّا مَعَكُمْ مُسْتَمعُون "من قوم فرعون ما يقولون لكم، ويجيبونكم به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وقوله: {كلا} رد على قول موسى {فأخاف أن يقتلون} كأنه قال: لا تخف، وهو ما قال في آية أخرى حين {قلا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا} بالفعل {أو يطغى} [طه: 45] فقال عند ذلك {قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46].

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

جمع الله له الاستجابتين معاً في قوله: {كَلاَّ فاذهبا} لأنه استدفعه بلاءهم، فوعده الدفع بردعه عن الخوف، والتمس منه الموازرة بأخيه فأجابه بقوله: {فاذهبا} أي: اذهب أنت والذي طلبته وهو هارون.

فإن قلت: علام عطف قوله: {فاذهبا}؟ قلت: على الفعل الذي يدل عليه {كَلاَّ} كأنه قيل: ارتدع يا موسى عما تظنّ، فاذهب أنت وهارون.

{مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ} من مجاز الكلام، يريد: أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه. فأظهركما وأُغلبكما وأكسر شوكته عنكما وأنكسه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما استشرفت النفس إلى معرفة جوابه عن هذه الأمور المهمة شفى عناءها بقوله، إعلاماً بأنه سبحانه استجاب له في كل ما سأل: {قال} قول كامل القدرة شامل العلم كما هو وصفه سبحانه: {كلا} أي ارتدع عن هذا الكلام، فإنه لا يكون شيء مما خفت، لا قتل ولا غيره -وكأنه لما كان التكذيب مع ما قام على الصدق من البراهين، المقوية لصاحبها، الشارحة لصدره، المعلية لأمره، عد عدماً- وقد أجبناك إلى الإعانة بأخيك {فاذهبا} أي أنت وهو متعاضدين، إلى ما أمرتك به، مؤيدين {بآياتنا} الدالة على صدقكما على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا؛ ثم علل تأمينه له بقوله: {إنا} بما لنا من العظمة {معكم} أي كائنون عند وصولكما إليهم فيمن اتبعكما من قومكما؛ ثم أخبر خبراً آخر بقوله: {مستمعون} أي سامعون بما لنا من العظمة في القدرة وغيرها من صفات الكمال، إلى ما تقولان لهم ويقولون لكما، فلا نغيب عنكم ولا تغيبون عنا، فنحن نفعل معكما من المعونة والنصر فعل القادر الحاضر لما يفعل بحبيبه المصغي له بجهده، ولذلك عبر بالاستماع...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولما علمه ربه من حرصه هذا وإشفاقه واحتياطه أجابه إلى ما سأل، وطمأنه مما يخاف. والتعبير هنا يختصر مرحلة الاستجابة، ومرحلة الإرسال إلى هارون، ومرحلة وصول موسى إلى مصر ولقائه لهارون؛ ويبرز مشهد موسى وهارون مجتمعين يتلقيان أمر ربهما الكريم، في نفس اللحظة التي يطمئن الله فيها موسى، وينفي مخاوفه نفيا شديدا، في لفظه تستخدم أصلا للردع وهي كلمة (كلا)! (قال: كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون. فأتيا فرعون فقولا: إنا رسول رب العالمين. أن أرسل معنا بني إسرائيل). كلا. لن يضيق صدرك ويحتبس لسانك. وكلا لن يقتلوك. فأبعد هذا كله عن بالك بشدة. واذهب أنت وأخوك. (فاذهبا بآياتنا) وقد شهد موسى منها العصا واليد البيضاء -والسياق يختصرهما هنا لأن التركيز في هذه السورة موجه إلى موقف المواجهة وموقف السحرة وموقف الغرق والنجاة. اذهبا (إنا معكم مستمعون) فأية قوة؟ وأي سلطان؟ وأي حماية ورعاية وأمان؟ والله معهما ومع كل إنسان في كل لحظة وفي كل مكان. ولكن الصحبة المقصودة هنا هي صحبة النصر والتأييد. فهو يرسمها في صورة الاستماع، الذي هو أشد درجات الحضور والانتباه. وهذا كناية عن دقة الرعاية وحضور المعونة. وذلك على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{كلاَّ} حرف إبطال. وتقدم في قوله تعالى: {كلا سنكتب ما يقول} في سورة [مريم: 79]. والإبطال لقوله: {فأخاف أن يقتلون} [الشعراء: 14]، أي لا يقتلونك. وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قال: {وَلَهم عليَّ ذنب فأخاف أن يقتلون} [الشعراء: 14]. وقوله: {فاذهبا بآياتنا} تفريع على مُفاد كلمة {كلاّ}. والأمر لموسى أن يذهبَ هو وهارُون يقتضي أن موسى مأمور بإبلاغ هارون ذلك فكان موسَى رسولاً إلى هارون بالنبوءة...

والباء للمصاحبة، أي مصاحبَيْن لآياتنا، وهو وعد بالتأييد بمعجزات تظهر عند الحاجة. ومن الآيات: العصا التي انقلبت حية عند المناجاة، وكذلك بياض يده كما في آية سورة [طه: 17] {وما تلك بيمينك يا موسى} الآيات.

وجملة: {إنا معكم مستمعون} مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن أمرهما بالذهاب إلى فرعون يثير في النفس أن يتعامى فرعون عن الآيات ولا يَرعوي عند رؤيتها عن إلحاق أذى بهما فأجيب بأن الله معهما ومستمع لكلامهما وما يجيب فرعونُ به. وهذا كناية عن عدم إهمال تأييدهما وكفِّ فرعون عن أذاهما. فضمير {معكم} عائد إلى موسى وهارون وقوم فرعون. والمعية معية علم كالتي في قوله تعالى: {إلاّ هو معهم أين ما كانوا} [المجادلة: 7]. و {مستمعون} أشدّ مبالغة من (سامعون) لأن أصل الاستماع أنه تكلف السماع والتكلف كناية عن الاعتناء، فأريد هنا علم خاص بما يجري بينها وبين فرعون وملئه وهو العلم الذي توافقه العناية واللطف. والجمع بين قوله: {بآياتنا} وقوله: {إنا معكم مستمعون} تأكيد للطمأنة ورباطة لجأشهما.