الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ كَلَّاۖ فَٱذۡهَبَا بِـَٔايَٰتِنَآۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ} (15)

جمع الله له الاستجابتين معاً في قوله : { كَلاَّ فاذهبا } لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الدفع بردعه عن الخوف ، والتمس منه الموازرة بأخيه فأجابه بقوله : { فاذهبا } أي اذهب أنت والذي طلبته وهو هارون .

فإن قلت : علام عطف قوله : { فاذهبا } ؟ قلت : على الفعل الذي يدل عليه { كَلاَّ } كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظنّ ، فاذهب أنت وهارون . وقوله : { مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } من مجاز الكلام ، يريد : أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه . فأظهركما وأُغلبكما وأكسر شوكته عنكما وأنكسه . ويجوز أن يكونا خبرين لأنّ ، أو يكون { مُّسْتَمِعُونَ } مستقراً ، و { مَّعَكُمْ } لغواً .

فإن قلت : لم جعلت { مُّسْتَمِعُونَ } قرينة { مَّعَكُمْ } في كونه من باب المجاز ، والله تعالى يوصف على الحقيقة بأنه سميع وسامع ؟ قلت : ولكن لا يوصف بالمستمع على الحقيقة ؛ لأنّ الاستماع جار مجرى الإصغاء ، والاستماع من السمع بمنزلة النظر من الرؤية . ومنه قوله تعالى : { قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مّنَ الجن فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانَاً عَجَباً } [ الجن : 1 ] ويقال : استمع إلى حديثه وسمع حديثه ، أي : أصغى إليه وأدركه بحاسة السمع . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : « منِ استمعَ إلى حديثِ قومٍ وهم لَه كَارهونَ صُبَّ في أذنيه البرمُ » .