تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدۡمِيرٗا} (36)

يقول تعالى متوعداً من كذّب رسولَه محمداً ، صلوات الله وسلامه عليه ، من مشركي قومه ومن خالفه{[21522]} ، ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه ، مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله ، فبدأ بذكر موسى ، عليه السلام ، وأنه ابتعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا ، أي : نبيًّا مُوَازرا ومؤيداً وناصراً ، فكذبهما فرعون وجنوده ، ف { دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] . ، وكذلك فعلَ بقوم نوح حين كذّبوا رسوله نوحاً ، عليه السلام ، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل ؛ إذ لا فرق بين رسول ورسول ، ولو فرض أن الله بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبونه ؛ ولهذا قال : { وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ } ، ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط ، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يدعوهم إلى الله ، ويحذرهم نقَمه ، فما آمن معه إلا قليل . ولهذا أغرقهم الله جميعا ، ولم يَبق منهم أحد ، ولم يبق على وجه الأرض من بني آدم سوى أصحاب السفينة فقط .

{ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } أي : عبرة يعتبرون بها ، كما قال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ الحاقة : 11 - 12 ] . أي : وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لُجَج البحار ، لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق ، وجَعْلكم من ذرّية مَن آمن به وصَدّق أمره .


[21522]:- في ف ، أ : "خالفهم".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدۡمِيرٗا} (36)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً * فَقُلْنَا اذْهَبَآ إِلَى الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يتوعد مشركي قومه على كفرهم بالله ، وتكذيبهم رسوله ويخوّفهم من حلول نقمته بهم ، نظير الذي يحلّ بمن كان قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها : وَلَقَدْ آتَيْنا يا محمد مُوسَى الكِتابَ يعني التوراة ، كالذي آتيناك من الفرقان وَجَعَلْنا مَعَهُ أخَاهُ هارُونَ وَزِيرا يعني : معينا وظهيرا فقُلْنا اذْهَبا إلى القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا يقول : فقلنا لهما : اذهبا إلى فرعون وقومه الذي كذّبوا بإعلامنا وأدلتنا ، فدمرناهم تدميرا . وفي الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر من ذكره وهو : فذهبا فكذبوهما ، فدمرناهم حينئذٍ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدۡمِيرٗا} (36)

{ فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا } يعني فرعون وقومه . { بآياتنا فدمرناهم تدميرا } أي فذهبنا إليهم فكذبوهما فدمرناهم ، فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء بما هو المقصود منها وهو إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقا التدمير بتكذيبهم والتعقيب باعتبار الحكم لا الوقوع ، وقرىء " فدمرتهم " فدمراهم فدمرانهم " على التأكيد بالنون الثقيلة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدۡمِيرٗا} (36)

الموصول في قوله : { الذين كذبوا بآياتنا } للإيماء إلى علة الخبر عنهم بالتدمير .

وقد حصل بهذا النظم إيجاز عجيب اختصرت به القصة فذكر منها حاشيتاها : أولُها وآخرها لأنهما المقصود بالقصة وهو استحقاق الأمم التدمير بتكذيبهم رسلهم .

والتدمير : الإهلاك ، والهَلاك : دُمور .

وإتباع الفعل بالمفعول المطلق لما في تنكير المصدر من تعظيم التدمير وهو الإغراق في اليَمّ .