مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدۡمِيرٗا} (36)

قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنها اذهبا

إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا } .

القصة الأولى : قصة موسى عليه السلام

اعلم أنه تعالى لما قال : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا } أتبعه بذكر جماعة من الأنبياء وعرفه بما نزل بمن كذب من أممهم فقال : { ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا } والمعنى : لست يا محمد بأول من أرسلناه فكذب ، وآتيناه الآيات فرد ، فقد آتينا موسى التوراة وقوينا عضده بأخيه هارون ومع ذلك فقد رد ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : كونه وزيرا لا يمنع من كونه شريكا له في النبوة ، فلا وجه لقول من قال في قوله : { فقلنا اذهبا } إنه خطاب لموسى عليه السلام وحده بل يجري مجرى قوله : { اذهبا إلى فرعون إنه طغى } فإن قيل إن كونه وزيرا كالمنافي لكونه شريكا بل يجب أن يقال إنه لما صار شريكا خرج عن كونه وزيرا ، قلنا لا منافاة بين الصفتين لأنه لا يمتنع أن يشركه في النبوة ويكون وزيرا وظهيرا ومعينا له .

المسألة الثانية : قال الزجاج الوزير في اللغة الذي يرجع إليه ويتحصن برأيه والوزر ما يعتصم به ومنه { كلا لا وزر } أي لا منجى ولا ملجأ ، قال القاضي : ولذلك لا يوصف تعالى بأن له وزيرا ولا يقال فيه أيضا بأنه وزير لأن الالتجاء إليه في المشاورة والرأي على هذا الحد لا يصح .

المسألة الثالثة : { دمرناهم } أهلكناهم إهلاكا فإن قيل : الفاء للتعقيب والإهلاك لم يحصل عقيب ذهاب موسى وهارون إليهم بل بعد مدة مديدة ، قلنا : التعقيب محمول ههنا على الحكم لا على الوقوع ، وقيل : إنه تعالى أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة بطولها أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم .

المسألة الرابعة : قوله تعالى : { اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا } إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب آيات الإلهية فلا إشكال ، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة فاللفظ ، وإن كان للماضي إلا أن المراد هو المستقبل .