تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (36)

وقوله : { وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي : إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه ، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك ، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه ، كفه عنك ورد كيده . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قام إلى الصلاة يقول : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " {[25735]} .

وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في " سورة الأعراف " عند قوله : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وفي سورة المؤمنين عند قوله : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } [ المؤمنون : 96 - 98 ] .

[ لكن الذي ذكر في الأعراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة ؛ لأن الإعراض عن الجاهل وتركه أخف على النفس من الإحسان إلى المسيء فتتلذذ النفس من ذلك ولا انتقاد له إلا بمعالجة ويساعدها الشيطان في هذه الحال ، فتنفعل له وتستعصى على صاحبها ، فتحتاج إلى مجاهدة وقوة إيمان ؛ فلهذا أكد ذلك هاهنا بضمير الفصل والتعريف باللام فقال : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ] {[25736]} .


[25735]:– (4) انظر تخريج الحديث عند تفسير الآية: 97 من سورة "المؤمنون".
[25736]:- (5) زيادة من ت، س.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (36)

وقوله : وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللّهِ . . . الاَية ، يقول تعالى ذكره : وإما يلقين الشيطان يا محمد في نفسك وسوسة من حديث النفس إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة ، ودعائك إلى مساءته ، فاستجر بالله واعتصم من خطواته ، إن الله هو السميع لاستعاذتك منه واستجارتك به من نزغاته ، ولغير ذلك من كلامك وكلام غيرك ، العليم بما ألقى في نفسك من نزغاته ، وحدّثتك به نفسك ومما يذهب ذلك من قبلك ، وغير ذلك من أمور وأمور خلقه ، كما :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ قال : وسوسة وحديث النفس فاسْتَعِذْ باللّهِ مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيمِ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ هذا الغضب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (36)

{ وإما ينزعنك من الشيطان نزغ } نخس شبه به وسوسته لأنها تبعث الإنسان على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ ، وجعل النزاغ نازغا على طريقة جديدة ، أو أريد به نازغ وصفا للشيطان بالمصدر . { فاستعذ بالله } من شره ولا تطعه . { إنه هو السميع } لاستعاذتك { العليم } بنيتك أو بصلاحك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (36)

{ إما } شرط ، وجواب الشرط قوله : { فاستعذ } . والنزغ : فعل الشيطان في قلب أو يد من إلقاء غضب وحقد أو بطش في اليد ، فمن الغضب هذه الآية ، ومن الحقد ، قوله : { نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي }{[10080]} ، ومن البطش قول النبي عليه السلام : «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده فيلقيه في حفرة من حفر النار »{[10081]} .

وندب تعالى في هذه الآية المتقدمة إلى مكارم الخلق في الدفع بالتي هي أحسن ، ثم أثنى على من لقيها{[10082]} ووعده ، وعلم أن خلقة البشر تغلب أحياناً وتثور بهم سورة الغضب ونزغ الشيطان فدلهم على مذهب ذلك وهي الاستعاذة به عز وجل .


[10080]:من الآية (100) من سورة (يوسف).
[10081]:أخرجه البخاري في كتاب الفتن، ومسلم في البر، وأحمد في مسنده 2 – 317، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه كما في البخاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)، فالفعل فيه (ينزع) بالعين المهملة، وكذلك هو في مسند أحمد، وفي صحيح مسلم، وعلى هذا فلا شاهد فيه.
[10082]:لقي الشيء: علمه ونبه عليه، وتلقاه: تعلمه وفهمه.