الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (36)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وإما ينزغنك} يعني يفتننك.

{من الشيطان نزغ} يعني فتنة {فاستعذ بالله إنه هو السميع} بالاستعاذة. {العليم} بها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللّهِ..."، يقول تعالى ذكره: وإما يلقين الشيطان يا محمد في نفسك وسوسة من حديث النفس إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة، ودعائك إلى مساءته، فاستجر بالله واعتصم من خطواته، إن الله هو السميع لاستعاذتك منه واستجارتك به من نزغاته، ولغير ذلك من كلامك وكلام غيرك، العليم بما ألقى في نفسك من نزغاته، وحدّثتك به نفسك ومما يذهب ذلك من قبلك، وغير ذلك من أمور وأمور خلقه... قال: قال ابن زيد "وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ "هذا الغضب.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وإما ينزغنّك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله}... أمره بالاستعاذة إياه، أمرا له بسؤال لطف من عند الله، يدفع به نزغاته وهمزاته...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" وإما ينزغنك"...

والنزع: النخس بما يدعوا إلى الفساد، ومنه قوله "من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي "فنزغ الشيطان: وسوسته ودعاؤه إلى معصية الله بإيقاع العداوة بين من يجب موالاته، يقال:...فلان ينزغ فلانا كأنه ينخسه بما يدعوه إلى خلاف الصواب.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إذا اتصلَتْ بقلبك نزغاتُ الشيطان فبادِرْ بذكر ربِّك، وارجعْ إليه قبل أية خطوة.. فإنك إن لم تخالف أولَ هاجسٍ من هواجس الشيطان صار فكرة، ثم بعد ذلك يحصل العزم على ما يدعو إليه الشيطان، فإذا لم تتداركْ ذلك تجري الزلَّة، وإذا لم تتداركْ ذلك بحُسْنِ الرُّجعى صار فسقاً... وبتمادي الوقت تصبح في خَطَرِ كل آفة، ولا يتخلص البعدُ من نزغات الشيطان إلا بصدق الاستعانة وصدق الاستغاثة وبذلك ينجو من الشيطان، وقد قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65]؛ فكلما ازداد العبدُ في تبرِّيه من حَوْلِه وقوته، وأخلص بينْ يدي الله بتضرعه واستعانته واستعاذته زاد اللَّهُ في حِفْظه، ودَفَع الشيطان عنه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إما ينزغنك نازغ وصفاً للشيطان بالمصدر أو لتسويله. والمعنى: وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن {فاستعذ بالله} من شرّه، وامض على شأنك ولا تطعه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{إما} شرط، وجواب الشرط قوله: {فاستعذ}. والنزغ: فعل الشيطان في قلب أو يد من إلقاء غضب وحقد أو بطش في اليد...

وندب تعالى في هذه الآية المتقدمة إلى مكارم الخلق في الدفع بالتي هي أحسن، ثم أثنى على من لقيها ووعده، وعلم أن خلقة البشر تغلب أحياناً وتثور بهم سورة الغضب ونزغ الشيطان؛ فدلهم على مذهب ذلك وهي الاستعاذة به عز وجل.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقوله: {وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه، كفه عنك ورد كيده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام إلى الصلاة يقول:"أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه". وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في "سورة الأعراف "عند قوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 199، 200]، وفي سورة المؤمنين عند قوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 96 -98]. [لكن الذي ذكر في الأعراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة؛ لأن الإعراض عن الجاهل وتركه أخف على النفس من الإحسان إلى المسيء فتتلذذ النفس من ذلك ولا انتقاد له إلا بمعالجة، ويساعدها الشيطان في هذه الحال، فتنفعل له وتستعصى على صاحبها، فتحتاج إلى مجاهدة وقوة إيمان؛ فلهذا أكد ذلك هاهنا بضمير الفصل والتعريف باللام فقال: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}]...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس، وهو مقابلة إساءته بالإحسان، ذكر ما يدفع به العدو الجني، وهو الاستعاذة بالله، والاحتماء من شره فقال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على جملة {وما يلقاها إلا الذين صبروا} [فصلت: 35]، فبعد أن أُرشد إلى ما هو عون على تحصيل هذا الخلق المأمور به وهو دفع السيئة بالتي هي أحسن، وبعد أن شرحت فائدة العمل بها بقوله: {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34] صُرِف العنان هنا إلى التحذير من عوائقها التي تجتمع كثرتها في حقيقة نزغ الشيطان، فأمر بأنه إن وجد في نفسه خواطر تَصْرِفه عن ذلك وتدعوه إلى دفع السيئة بمثلها فإن ذلك نزغ من الشيطان؛ دواؤه أن تستعيذ بالله منه فقد ضمن الله له أن يعيذه إذا استعاذه لأنه أمره بذلك، والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم، وفائدة هذه الاستعاذة تجديد داعية العصمة المركوزة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاستعاذة بالله من الشيطان استمداد للعصمة وصقل لزكاء النفس مما قد يقترب منها من الكدرات. وهذا سر من الاتصال بين النبي صلى الله عليه وسلم وربه وقد أشار إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم « إنه لَيُغانَ على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» فبذلك تسلم نفسه من أن يغشَاها شيء من الكدرات ويلحق به في ذلك صالحو المؤمنين. وفي الحديث القدسي عند الترمذي « ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحِبَّه فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأُعطينَّه ولئن استعاذني لأعِيذَنَّه». ثم يلتحق بذلك بقية المؤمنين على تفاوتهم كما دل عليه حديث ابن مسعود عند الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم « إن للشيطان لَمّة بابن آدم وللمَلَك لَمَّة، فأما لَمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لَمة الملَك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليستعذ بالله من الشيطان»...