نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (36)

ولما كان التقدير : فإن لقيت ذلك وأعاذك الله من الشيطان فأنت أنت ، عطف عليه قوله معبراً بأداة الشك المفهمة لجواز وقوع ذلك في الجملة ، مع العلم بأنه صلى الله عليه وسلم معصوم إشارة إلى رتبة الإنسان من حيث هو إنسان وإلى أن الشيطان يتوهم مع علمه بالعصمة أنه يقدر على ذلك فيعلق أمله به ، وكأنه لذلك أكد لأن نزغه له في محل الإنكار { وإمّا } ولما كانت وسوسة الشيطان تبعث على ما لا ينبغي ، وكان العاقل لا يفعل ما لا ينبغي إلا بالالجاء ، شبه المتعاطي له بالمنخوس الذي حمله النخس على ارتكاب ما يضر فقال : { ينزغنك } أي ينخسنك ويطعننك طعناً مفسداً فيحصل لك تألم { من الشيطان } البعيد من الرحمة المحترق باللعنة . ولما كان المقام خطراً لأن الطبع مساعد للوسواس ، جعل النزغ نفسه نازغاً إشارة إلى ذلك فقال : { نزغ } أي وسوسة تحرك نحو الموسوس من أجله وتبعث إليه بعث المنخوس إلى الجهة التي يوجه إليها ، فإن ينبعث إلى تلك الجهة بعزم عظيم { فاستعذ بالله } أي استجر بالملك الأعلى واطلب منه الدخول في عصمته مبادراً إلى ذلك حين نخس بالنزغة فإنه لا يقدر على الإعاذة منه غيره ، ولا تذر النزغة تتكرر ، بل ارجع إلى المحيط علماً وقدرة في أول الخطرة ، فإنك إن لم تخالف أول الخطرة صارت فكرة فيحصل العزم فتقع الزلة فتصير قسوة فيحصل التمادي - نبه عليه القشيري .

ولما كانت الاستعاذة هنا من الشيطان ، وكان نزغه مما يعلم لا مما يرى وكانت صفة السمع نعم ما يرى وما لا يرى ، قال مؤكداً لوقوف الجامدين مع الظواهر : { إنه هو } أي وحده { السميع } وختم بقوله : { العليم * } الذي يسمع كل مسموع من استعاذتك وغيرها ، ويعلم كل معلوم من نزغه وغيره ، فهو القادر على رد كيده ، وتوهين أمره وأيده ، وليس هو كما جعلتموه له من الأنداد الصم البكم التي لا قدرة لها على شيء أصلاً .