روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (36)

{ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ } النزغ النخس وهو المس بطرف قضيب أو أصبع بعنف مؤلم استعير هنا للوسوسة الباعثة على الشر وجعل نازغاً للمبالغة على طريقة جد جد فمن على هذا ابتدائية ، ويجوز أن يراد به نازغ على أن المصدر بمعنى اسم الفاعل وصفا للشيطان فمن بيانية والجار والمجرور في موضع الحال أو هي ابتدائية أيضاً لكن على سبيل التجريد ، وجوز أن يكون المراد بالنازغ وسوسة الشيطان و { إن } شرطية و { مَا } مزيدة أي وإن ينزغنك ويصرفنك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن { فاستعذ بالله } من شره ولا تعطه { أَنَّهُ } عز وجل { هُوَ السميع } فيسمع سبحانه استعاذتك { العليم } فيعلم جل شأنه نيتك وصلاحك ، وقيل : السمع لقول من أذاك العليم بفعله فينتقم منه مغنياً عن انتقامك ، وقيل : العليم بنزغ الشيطان ، وفي جعل ترك الدفع من آثار نزغات الشيطان مزيد تحذير وتنفير عنه ، ولعل الخطاب من باب إياك أعني واسمعي يا جاره .

وجوز أن يراد بالشيطان ما يعم شيطان الإنس فإن منهم من يصرف عن الدفع بالتي هي أحسن ويقول : إنه عدوك لذي فعل بك كيت وكيت فانتهز الفرصة فيه وخذ ثأرك منه لتعظم في عينه وأعين الناس ولا يظن فيك العجز وقلة الهمة وعدم المبالاة إلى غير ذلك من الكلمات التي ربما لا تخطر أبداً ببال شيطان الجن نعوذ بالله تعالى السميع العليم من كل شيطان ، وفسر عبد الرحمن بن زيد النزغ بالغضب واستدل بالآية على استحباب الاستعاذة عنده .

وقد روى الحاكم عن سليمان بن صدر قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد غضب أحدهما فقال النبي عليه الصلاة والسلام : «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال الرجل : أمجنوناً تراني ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله » .

ولعل الغضب من آثار الوسوسة .

ومن كلمات القوم في الآيات :

{ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ } لتميل إلى ما يهوى { فاستعذ بالله } [ فصلت : 36 ] وارجع إليه سبحانه لئلا يؤثر فيك نزغه ، وفيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الأمن من المكر والغفلة عن الله عز وجل