يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من الأهوال - ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت - فقال تعالى : { كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ } إن جعلنا { كَلا } رداعة فمعناها : لست يا ابن آدم تكذب هناك بما أخبرت به ، بل صار ذلك عندك عيانا . وإن جعلناها بمعنى( حقا ) فظاهر ، أي : حقا إذا بلغت التراقي ، أي : انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك ، والتراقي : جمع ترقوة ، وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق ، كقوله : { فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا{[29564]} إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الواقعة : 83 - 87 ] . وهكذا قال هاهنا : { كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ } ويذكر هاهنا حديث بُسْر بن جِحاش الذي تقدم في سورة " يس " {[29565]} . والتراقي : جمع ترقوة ، وهي قريبة من الحلقوم .
القول في تأويل قوله تعالى : { كَلاّ إِذَا بَلَغَتِ التّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنّ أَنّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ * إِلَىَ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } .
يقول تعالى ذكره : ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها .
وقال ابن زيد في قوله الله : كَلاّ إذَا بَلَغَتِ التَراقي قال : التراقي : نفسه .
حدثني بذلك يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ يقول تعالى ذكره : وقال أهله : من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به ، وطلبوا له الأطباء والمداوين ، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : مَنْ رَاقٍ فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وأبو هشام ، قالا : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرِمة وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هل من راقٍ يرقي ؟
حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام ، قالا : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هل من طبيب شاف .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة ، مثله .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن أبي بسطام ، عن الضحاك بن مزاحم في قول الله تعالى ذكره : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هو الطبيب .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن جويبر ، عن الضحاك في وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هل من مداوٍ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ : أي التمسوا له الأطباء فلم يُغْنوا عنه من قضاء الله شيئا .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد في قوله : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : أين الأطباء ، والرّقاة : من يرقيه من الموت .
وقال آخرون : بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض ، يقول بعضهم لبعض : من يَرقى بنفسه فيصعد بها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس كَلاّ إذَا بَلَغَتِ التّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : إذا بلغت نفسه يرقى بها ، قالت الملائكة : من يصعد بها ، ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، في قوله : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : بلغني عن أبي قلابة قال : هل من طبيب ؟ قال : وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال : قالت الملائكة بعضهم لبعض : من يرقَى : ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟ .
وقوله تعالى : { كلا إذا بلغت } زجر آخر لقريش وتذكير لهم بموطن من مواطن الهول وأمر الله تعالى الذي لا محيد لبشر عنه وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان ، و { بلغت } يريد النفس ، و { التراقي } ترقوة وهي عظام أعلى الصدر ، ولكل أحد ترقوتان ، لكن من حيث هذا الأمر في كثير من جمع ، إذ النفس المرادة اسم جنس ، و { التراقي } هي موازية للحلاقيم ، فالأمر كله كناية عن حال الحشرجة ونزاع الموت ، يسره الله علينا بمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.