تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من الأهوال - ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت - فقال تعالى : { كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ } إن جعلنا { كَلا } رداعة فمعناها : لست يا ابن آدم تكذب هناك بما أخبرت به ، بل صار ذلك عندك عيانا . وإن جعلناها بمعنى( حقا ) فظاهر ، أي : حقا إذا بلغت التراقي ، أي : انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك ، والتراقي : جمع ترقوة ، وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق ، كقوله : { فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا{[29564]} إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الواقعة : 83 - 87 ] . وهكذا قال هاهنا : { كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ } ويذكر هاهنا حديث بُسْر بن جِحاش الذي تقدم في سورة " يس " {[29565]} . والتراقي : جمع ترقوة ، وهي قريبة من الحلقوم .


[29564]:- (2) في أ: "كلا" وهو خطأ.
[29565]:- (3) حديث بسر بن جحاش، رواه الإمام أحمد في المسند (4/310) من طريق جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يومًا في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال: "قال الله تعالى: ابن آدم أني تعجزني وقد خلقتك مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك، مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي. قلت: أتصدق وأنى أوان الصدقة ؟!" وقد سبق عند تفسير الآية: 77 من سورة يس.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَلاّ إِذَا بَلَغَتِ التّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنّ أَنّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ * إِلَىَ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } .

يقول تعالى ذكره : ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها .

وقال ابن زيد في قوله الله : كَلاّ إذَا بَلَغَتِ التَراقي قال : التراقي : نفسه .

حدثني بذلك يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ يقول تعالى ذكره : وقال أهله : من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به ، وطلبوا له الأطباء والمداوين ، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : مَنْ رَاقٍ فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب وأبو هشام ، قالا : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرِمة وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هل من راقٍ يرقي ؟

حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام ، قالا : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هل من طبيب شاف .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة ، مثله .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن أبي بسطام ، عن الضحاك بن مزاحم في قول الله تعالى ذكره : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هو الطبيب .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن جويبر ، عن الضحاك في وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : هل من مداوٍ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ : أي التمسوا له الأطباء فلم يُغْنوا عنه من قضاء الله شيئا .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد في قوله : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : أين الأطباء ، والرّقاة : من يرقيه من الموت .

وقال آخرون : بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض ، يقول بعضهم لبعض : من يَرقى بنفسه فيصعد بها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس كَلاّ إذَا بَلَغَتِ التّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : إذا بلغت نفسه يرقى بها ، قالت الملائكة : من يصعد بها ، ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، في قوله : وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ قال : بلغني عن أبي قلابة قال : هل من طبيب ؟ قال : وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال : قالت الملائكة بعضهم لبعض : من يرقَى : ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

كلا ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة إذا بلغت التراقي إذا بلغت النفس أعالي الصدر وإضمارها من غير ذكر لدلالة الكلام عليها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

وقوله تعالى : { كلا إذا بلغت } زجر آخر لقريش وتذكير لهم بموطن من مواطن الهول وأمر الله تعالى الذي لا محيد لبشر عنه وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان ، و { بلغت } يريد النفس ، و { التراقي } ترقوة وهي عظام أعلى الصدر ، ولكل أحد ترقوتان ، لكن من حيث هذا الأمر في كثير من جمع ، إذ النفس المرادة اسم جنس ، و { التراقي } هي موازية للحلاقيم ، فالأمر كله كناية عن حال الحشرجة ونزاع الموت ، يسره الله علينا بمة .