الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

قوله : { التَّرَاقِيَ } : مفعولُ " بَلَغَتْ " ، والفاعلُ مضمرٌ [ يعود ] على النفسِ ، وإنْ لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ ، كقولِ حاتم :

أماوِيَّ ما يُغْنِي الثَّراءُ عن الفتى *** إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصدرُ

أي : حَشْرَجَتِ النفسُ . وقيل في البيت : إنَّ الدالَّ على النفس ذِكْرُ جُمْلَةِ ما اشتملَ عليها ، وهو الغِنى ، فكذلك هنا ذِكْرُ الإِنسانِ دالٌّ على النفسِ . والتَّراقِي : جمع تَرْقُوَة ، أصلُها تَراقِوُ ، قُلِبَتْ واوُها ياءً لانكسار ما قبلها . والتَّرْقُوَة إحدى عِظامِ الصدرِ ، كذا قال الشيخ ، والمعروفُ غيرُ ذلك . قال الزمخشري : " ولكلِّ إنسانٍ تَرْقُوَتان " فعلى هذا تكونُ مِنْ باب : غليظِ الحواجب وعريضِ المناكب . والتراقِي : موضِعُ الحَشْرَجَةِ . قال :

ورُبَّ عظيمةٍ دافَعتُ عنها *** وقد بلغَتْ نفوسُهُمُ التراقِيْ

وقال الراغب : " التَّرْقُوَةُ عَظْمٌ وُصِلَ ما بين ثُغْرَةِ النحرِ والعاتِق " انتهى . وقال الزمخشري : " العِظامُ المكتنِفةُ لثُغْرَةِ النَّحْرِ عن يمينٍ وشِمالٍ " ووزنها فَعْلُوة ، فالتاءُ أصلٌ والواوُ زائدةٌ ، يَدُلُّ عليه إدخالُ أهل اللغةِ إياها في مادة " تَرَق " . وقال أبو البقاء : " والتراقي : جمع تَرْقُوَة " وهي فَعْلُوة ، وليست تَفْعُلَة ، إذ ليس في الكلام " رقو " ، وقُرِىء " التراقي " بسكونِ الياء ، وهي كقراءةِ زيدٍ " تُطْعِمون أهالِيْكم " [ المائدة : 89 ] وقد تقدَّم توجيهُها .