الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{كلا} لا يؤمن بما ذكر في أمر القيامة. ثم قال: {إذا بلغت} الأنفس {التراقي} يعنى الحلقوم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم، بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فقوله: {كلا} يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون به حقا.

والثاني: أن يكون على الردع والرد...

والتراقي: هي عروق العنق. كأنه يقول حين نزول النفس أي الروح عن مكانها، وتنتهي إلى التراقي.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

يعني النفس كناية عن غير مذكور {التَّرَاقِيَ} فيحشرج بها عند الموت، والتراقي: العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

يعني بلوغ الروح عند موته إلى التراقي، وهي أعلى الصدر.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كَلاَّ} ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

زجر آخر لقريش وتذكير لهم بموطن من مواطن الهول وأمر الله تعالى الذي لا محيد لبشر عنه وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {كلا} قال الزجاج: كلا ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: لما عرفتم صفة سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء في الآخرة، وعلمتم أنه لا نسبة لها إلى الدنيا، فارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين، وقال آخرون: {كلا} أي حقا إذا بلغت التراقي كان كذا وكذا، والمقصود أنه لما بين تعظيم أحوال الآخرة بين أن الدنيا لا بد فيها من الانتهاء والنفاد والوصول إلى تجرع مرارة الموت. وقال مقاتل: {كلا} أي لا يؤمن الكافر بما ذكر من أمر القيامة، ولكنه لا يمكنه أن يدفع أنه لا بد من الموت، ومن تجرع آلامها، وتحمل آفاتها.

ثم إنه تعالى وصف تلك الحالة التي تفارق الروح فيها الجسد فقال: {إذا بلغت التراقى}...: المراد إذا بلغت النفس أو الروح، أخبر عما لم يجر له ذكر لعلم المخاطب بذلك، كقوله: {إنا أنزلناه} والتراقي جمع ترقوة. وهي عظم وصل بين ثغرة النحر، والعاتق من الجانبين.

واعلم أنه يكنى ببلوغ النفس التراقي عن القرب من الموت.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وإذا كانت مشاهد القيامة.. إذا برق البصر، وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر، وقال الإنسان يومئذ أين المفر. ولا مفر. وإذا اختلفت المصائر والوجوه، ذلك الاختلاف الشاسع البعيد، فكانت وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة..

إذا كانت تلك المشاهد تستمد قوتها وإيقاعها في النفس، من قوة الحقيقة الكامنة فيها، وقوة الأداء القرآني الذي يشخصها ويحييها، فإن السورة بعد عرض تلك المشاهد تقرب وتقرب حتى تلمس حس المخاطبين بمشهد آخر حاضر واقع مكرور، لا تمر لحظة حتى يواجههم في هذه الأرض بقوته ووضوحه ووزنه الثقيل!

إنه مشهد الموت. الموت الذي ينتهي إليه كل حي، والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره حي. الموت الذي يفرق الأحبة، ويمضي في طريقه لا يتوقف، ولا يتلفت، ولا يستجيب لصرخة ملهوف، ولا لحسرة مفارق، ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف! الموت الذي يصرع الجبابرة بنفس السهولة التي يصرع بها الأقزام، ويقهر بها المتسلطين كما يقهر المستضعفين سواء! الموت الذي لا حيلة للبشر فيه وهم مع هذا لا يتدبرون القوة القاهرة التي تجريه:

(كلا! إذا بلغت التراقي، وقيل: من راق؟ وظن أنه الفراق، والتفت الساق بالساق. إلى ربك يومئذ المساق)..

إنه مشهد الاحتضار، يواجههم به النص القرآني كأنه حاضر، وكأنه يخرج من ثنايا الألفاظ ويتحرك كما تخرج ملامح الصورة من خلال لمسات الريشة!

(كلا إذا بلغت التراقي).. وحين تبلغ الروح التراقي يكون النزع الأخير، وتكون السكرات المذهلة، ويكون الكرب الذي تزوغ منه الأبصار..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ردع ثان على قول الإِنسان {أيَّانَ يوم القيامة} [القيامة: 6]، مؤكِّد للردع الذي قبله في قوله: {كَلاَّ بل تحبّون العاجلة} [القيامة: 20]. ومعناه زجر عن إحالة البعث، فإنه واقع غير بعيد، فكل أحد يشاهده حين الاحتضار للموت كما يؤذن به قوله: {إلى ربك يومئذٍ المَساق} أُتبع توصيف أشراط القيامة المباشرة لحلوله بتوصيف أشراط حلول التهيُّؤِ الأول للقائه من مفارقة الحياة الأولى.

وعن المغيرة بن شعبة يقولون: القيامة القيامةُ، وإنما قيامة أحدهم موته، وعن علقمة أنه حضر جنازة فلما دفن قال: « أمَّا هذا فقد قامت قيامته»، فحالة الاحْتضار هي آخر أحوال الحياة الدنيا يَعقبها مصير الروح إلى تصرف الله تعالى مباشرةً.

وهو ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة كأنه قيل: ارتدعوا وتنبهوا على ما بَيْن أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة وتنتقلون إلى الآجلة، فيكون ردعاً على محبة العاجلة وترك العناية في الآخرة، فليس مؤكداً للردع الذي في قوله: {كلا بل تحبون العاجلة} [القيامة: 20] بل هو ردع على ما تضمنه ذلك الردع من إيثار العاجلة على الآخرة.

و {إذا بلغت التراقي} متعلق بالكون الذي يُقدر في الخبر وهو قوله: {إلى ربك}. والمعنى: المساق يكون إلى ربك إذا بلغت التراقي.

وجملة {إلى ربك يومئذٍ المساق} بيان للردع وتقريب لإِبطال الاستبعاد المحكي عن منكري البعث بقوله: {يسأل أيّان يوم القيامة} [القيامة: 6].

ومعنى {بلغتْ التراقي}: أن الروح بلغت الحُنْجُرة حَيث تخرج الأنفاس الأخيرة فلا يسمع صوتها إلاّ في جهة الترقوة وهي آخر حالات الاحتضار، ومثله قوله تعالى:

{فلولا إذا بلغت الحُلقوم} الآية [الواقعة: 83].