السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

وقوله تعالى : { كلا } ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري ، وزاد الزمخشري كأنه قيل : ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا إلى ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنقلبون إلى الآجلة التي تبقوا فيها مخلدين { إذا بلغت } النفس { التراقي } وأضمر النفس وإن لم يجر لها ذكر ؛ لأنّ الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها كما قال حاتم :

أماويّ ما يغني الثراء عن الغنى *** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

وتقول العرب : أرسلت ، يريدون جاء المطر ، ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء . والتراقي : جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال ، ولكل إنسان ترقوتان . قال البقاعي : ولعله جمع المثنى إشارة إلى شدة انتشارها بغاية الجهد لما فيه من الكرب لاجتماعها من أقاصي البدن إلى هناك ا . ه . وهذا كناية عن الإشفاء على الموت ذكرهم صعوبة الموت وهو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها .