البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

التراقي جمع ترقوة : وهي عظام الصدر ، ولكل إنسان ترقونان ، وهو موضع الحشرجة ، قال دريد بن الصمة :

ورب عظيمة دافعت عنهم *** وقد بلغت نفوسهم التراقي

رقي يرقى من الرقية ، وهيما يستشفى به للمريض من الكلام المعد لذلك .

{ كلا } : ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة وتذكير لهم بما يؤولون إليه من الموت الذي تنقطع العاجلة عنده وينتقل منها إلى الآجلة ، والضمير في { بلغت } عائد إلى النفس الدال عليها سياق الكلام ، كقول حاتم :

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى *** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

وتقول العرب : أرسلت ، يريدون جاء المطر ، ولا نكاد نسمعهم يقولون السماء .

وذكرهم تعالى بصعوبة الموت ، وهو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها .

وقيل : مبني للمفعول ، فاحتمل أن يكون القائل حاضروا المريض طلبوا له من يرقي ويطب ويشفي ، وغير ذلك مما يتمناه له أهله ، قاله ابن عباس والضحاك وأبو قلابة وقتادة ، وهو استفهام حقيقة .

وقيل : هو استفهام إبعاد وإنكار ، أي قد بلغ مبلغاً لا أحد يرقيه ، كما عند الناس : من ذا الذي يقدر أن يرقي هذا المشرف على الموت قاله عكرمة وابن زيد .

واحتمل أن يكون القائل الملائكة ، أي من يرقي بروحه إلى السماء ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ قاله ابن عباس أيضاً وسليمان التيمي .

وقيل : إنما يقولون ذلك لكراهتهم الصعود بروح الكافر لخبثها ونتنها ، ويدل عليه قوله بعد : { فلا صدق ولا صلى } الآية .