تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

يخبر تعالى عن قيل{[15592]} المشركين : { لَوْلا } أي : هلا { أُنزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ } كما قالوا : { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ } [ الأنبياء : 5 ] وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة ، وإن الله قادر على إجابة ما سألوا . وفي الحديث : أن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهبًا ، وأن يجري لهم ينبوعًا ، وأن يزيح الجبال من حول مكة فيصير مكانها مروج وبساتين : إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ، فإن كفروا فإني أعذبهم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين ، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ، فقال : " بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة " {[15593]} ؛ ولهذا قال لرسوله : { قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي : هو المضل والهادي ، سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا ، أو لم يجبهم إلى سؤالهم ؛ فإن الهداية والإضلال ليس منوطا بذلك ولا عدمه ، كما قال : { وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] وقال { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 97 ] وقال { وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [ الأنعام : 111 ] ؛ ولهذا قال : { قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي : ويهدي من أناب إلى الله ، ورجع إليه ، واستعان به ، وتضرع لديه .


[15592]:- في ت : "قتل".
[15593]:- رواه أحمد في المسند (1/242) من حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } .

يقول تعالى ذكره : ويقول لك يا محمد مشركو قومك : هلا أنزل عليك آية من ربك ، إما ملَك يكون معك نذيرا ، أو يلقى إليك كنز ، فقل : إن الله يضلّ منكم من يشاء أيها القوم فيخذله عن تصديقي والإيمان بما جئته به من عند ربي وليس ضلال من يضلّ منكم بأن لم ينزل على آية من ربي ولا هداية من يهتدى منكم بأنها أنزلت عليّ ، وإنما ذلك بيد الله ، يوفّق من يشاء منكم للإيمان ويخذل من يشاء منكم فلا يؤمن . وقد بيّنت معنى الإنابة في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيهْدِي إلَيهِ مَنْ أنابَ : أي من تاب وأقبل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

{ ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء } باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات . { ويهدي إليه من أناب } أقبل إلى الحق ورجع عن العناد ، وهو جواب يجري مجرى التعجب من قولهم كأنه قال قل لهم ما أعظم عنادكم إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم ، فلا سبيل إلى اهتدائهم و إن أنزلت كل آية ، ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات .