تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

يبين تعالى كيف يخلق السحاب التي{[22888]} ينزل منها الماء{[22889]} فقال : { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا } ، إما من البحر على ما ذكره غير واحد ، أو مما يشاء الله عز وجل . { فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ } أي : يَمُدّه فيكثّرهُ ويُنَمّيه ، ويجعل من القليل كثيرا ، ينشئ سحابة فترى في رأي العين مثل الترس ، ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق . وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالا مملوءة ماء ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 57 ] ، وكذلك قال هاهنا : { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا } . قال مجاهد ، وأبو عمرو بن العلاء ، ومطر الوَرّاق ، وقتادة : يعني قطعا .

وقال غيره : متراكما ، قاله الضحاك .

وقال غيره : أسود من كثرة الماء ، تراه مدلهما ثقيلا قريبا من الأرض .

وقوله { فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } أي : فترى المطر - وهو القطر - يخرج من بين ذلك السحاب ، { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي : لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم .


[22888]:- في أ: "الذي".
[22889]:- في ت: "المطر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : الله يرسل الرياح فتثير سحابا ، يقول : فتنشىء الرياحُ سحابا ، وهي جمع سحابة ، فيبسطه في السماء كيف يشاء يقول : فينشره الله ، ويجمعه في السماء كيف يشاء ، وقال : فيبسطه ، فوحد الهاء ، وأخرج مخرج كناية المذكر ، والسحاب جمع كما وصفت ردّا على لفظ السحاب ، لا على معناه ، كما يقال : هذا تمر جيد . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله فَيَبْسُطُهُ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَيَبْسُطُهُ فِي السّماءِ كَيْفَ يَشاءُ ويجمعه .

وقوله : ويَجْعَلُهُ كِسفَا : يقول : ويجعل السحاب قِطعا . متفرّقة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ويَجْعَلُهُ كِسفَا : أي قطعا .

وقوله فتَرَى الوَدْقَ يعني : المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ يعني : من بين السحاب . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن قطن ، عن حبيب ، عن عبيد بن عمير يُرْسِلُ الرّياحَ فَتُثِيرُ سَحَابا قال : الرياح أربع : يبعث الله ريحا فتقمّ الأرض قما ، ثم يبعث الله الريح الثانية فتثير سحابا ، فيجعله في السماء كِسفَا ، ثم يبعث الله الريح الثالثة ، فتؤلف بينه فيجعله ركاما ، ثم يبعث الريح الرابعة فتمطر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : ثَنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَترَى الوَدقَ قال : القطر .

وقوله : فإذَا أصَابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يقول : فإذا صرف ذلك الودق إلى أرض من أراد صرفه إلى أرضه من خلقه رأيتهم يستبشرون بأنه صرف ذلك إليهم ويفرحون .