الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

قوله تعالى : " الله الذي يرسل الرياح " قرأ ابن محيصن وابن كثير وحمزة والكسائي : " الريح " بالتوحيد . والباقون بالجمع . قال أبو عمرو : وكل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع ، وما كان بمعنى العذاب فهو موحد . وقد مضى في " البقرة " {[12532]} معنى هذه الآية وفي غيرها . " كسفا " جمع كسفة وهي القطعة . وفي قراءة الحسن وأبي جعفر وعبد الرحمن الأعرج وابن عامر " كسفا " بإسكان السين ، وهي أيضا جمع كسفة ، كما يقال : سدرة وسدر ، وعلى هذه القراءة يكون المضمر الذي بعده عائدا عليه ، أي فترى الودق أي المطر يخرج من خلال الكسف ؛ لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء لا غير{[12533]} فالتذكير فيه حسن . ومن قرأ : " كسفا " فالمضمر عنده عائد على السحاب . وفي قراءة الضحاك وأبي العالية وابن عباس : " فترى الودق يخرج من خلله " ويجوز أن يكون خلل جمع خلال . " فإذا أصاب به " أي بالمطر . " من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " يفرحون بنزول المطر عليهم . " وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين " أي يائسين مكتئبين قد ظهر الحزن عليهم لاحتباس المطر عنهم . و " من قبله " تكرير عند الأخفش معناه التأكيد ، وأكثر النحويين على هذا القول ، قاله النحاس . وقال قطرب : إن " قبل " الأولى للإنزال والثانية للمطر ، أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر . وقيل : المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع ، ودل على الزرع المطر إذ بسببه يكون . ودل عليه أيضا " فرأوه مصفرا " على ما يأتي . وقيل : المعنى من قبل السحاب من قبل رؤيته ، واختار هذا القول النحاس ، أي من قبل رؤية السحاب " لمبلسين " أي ليائسين . وقد تقدم ذكر السحاب{[12534]} .


[12532]:راجع ج 2 ص 197 فما بعد.
[12533]:ما بين المربعين زيادة من ش و ك.
[12534]:راجع ج 2 ص 200 فما بعدها.