البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

{ الله الذي يرسل الرياح } ، هذا متعلق بقوله : { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } ، والجملة التي بينهما اعتراض ، جاءت تأنيساً للرسول وتسلية ووعداً بالنصر ووعيداً لأهل الكفر ، وفي إرسالها قدرة وحكمة .

أما القدرة ، فإن الهواء اللطيف الذي يسبقه البرق بحيث يقلع الشجر ويهدم البناء ، وهو ليس بذاته يفعل ذلك ، بل بفاعل مختار .

وأما الحكمة ، ففيما يفضي إليه نفس الهبوب من إثارة السحب ، وإخراج الماء منه ، وإنبات الزرع ، ودر الضرع ، واختصاصه بناس دون ناس ؛ وهذه حكمة بالغة معروفة بالمشيئة والإثارة ، تحريكها وتسييرها .

والبسط : نشرها في الآفاق ، والكسف : القطع .

وتقدم الكلام على قوله : { فترى الودق يخرج من خلاله } ، وذكر الخلاف في { كسفاً } وحاله من جهة القراء .

والضمير في : { من خلاله } ، الظاهر أنه عائد على السحاب ، إذ هو المحدث عنه ، وذكر الضمير لأن السحاب اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه .

قيل : ويحتمل أن يعود على { كسفاً } في قراءة من سكن العين ، والمراد بالسماء : سمت السماء ، كقوله : { وفرعها في السماء } { فإذا أصاب به من يشاء } : أي أرض من يشاء إصابتها ، فاجأهم الاستبشار ، ولم يتأخر سرورهم .