لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (6)

قوله تعالى : { وكذلك يجتبيك ربك } يعني يقول يعقوب ليوسف عليه الصلاة والسلام أي وكما رفع منزلتك بهذه الرؤيا الشريفة العظيمة كذلك يجتبيك ربك يعني يصطفيك ربك واجتباء الله تعالى العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي تحصل له منه أنواع الكرامات بلا سعي من العبد وذلك مختص بالأنبياء أو ببعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء والصالحين { ويعلمك من تأويل الأحاديث } يعني به تعبير الرؤيا سمي تأويلاً لأنه يؤول أمره إلى ما رأى في منامه ، يعني يعلمك تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتعبير الرؤيا . وقال الزجاج : تأويل أحاديث الأنبياء والأمم السالفة والكتب المنزلة .

وقال ابن زيد : يعلمك العلم والحكمة { ويتم نعمته عليك } يعني بالنبوة ، قاله ابن عباس لأن منصب النبوة أعلى من جميع المناصب وكل الخلق دون درجة الأنبياء فهذا من إتمام النعمة عليهم ، لأن جميع الخلق دونهم في الرتب والمناصب { وعلى آل يعقوب } المراد بآل يعقوب أولاده فإنهم كانوا أنبياء وهو المراد من إتمام النعمة عليهم { كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق } بأن جعلهما نبيين وهو المراد من إتمام النعمة عليهما وقيل : المراد من إتمام النعمة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأن خلصه الله من النار واتخذه خليلاً والمراد من إتمام النعمة على الأصح بأن إتمام النعمة عليهما بالنبوة لأنه لا أعظم من منصب النبوة فهو من أعظم النعم على العبد { إن ربك عليم } يعني بمصالح خلقه { حكيم } يعني أنه تعالى لا يفعل شيئاً إلا بحكمة ، وقيل : إنه تعالى حكم بوضع النبوة في بيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما كان بين رؤيا يوسف هذه وبين تحقيقها بمصر واجتماعه بأبويه وإخوته أربعون سنة وهذا قول أكثر المفسرين ، وقال الحسن البصري : كان بينهما ثمانون سنة فلما بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه وقالوا ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه .