لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ} (167)

{ وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا } أي ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم على مالهم ويظهر نفاق المنافقين بقلة صبرهم على ما نزل بهم فالمراد من العلم المعلوم والتقدير ليتبين المؤمن من المنافق وليتميز أحدهما من الآخر والمنافق هو الذي أظهر الإيمان بلسانه وأضمر خلافه واشتقاقه من النفق وهو السرب في الأرض النافذ ، ومنه نافقا اليربوع لأن له حجراً في الأرض له بابان إذا طلب من أحدهما خرج من الآخر فكذلك المنافق صنع له طريقين أحدهما إظهار الإيمان بلسانه والآخر إضمار الكفر بقلبه من أيهما طلب خرج من الآخر . وقيل لأنه دخل في الإيمان من باب وخرج من باب آخر والنفاق اسم إسلامي لم تك العرب تعرفه قبل الإسلام { وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا } المقول له عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق وأصحابه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد في ألف رجل حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة انخذل عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس وقال ما ندري علام نقتل أنفسنا فرجع بمن معه من المنافقين فتبعهم جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام الإنصاري أخو بني سلمة وهو يقول : يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم عند حضور عدوه فذلك قوله تعالى وقيل لهم يعني المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه تعالوا قاتلوا في سبيل الله أي لأجل دين الله وطاعته أو ادفعوا يعني عن أموالكم وأهليكم وقيل معناه تعالوا كثروا سواد المسلمين إن لم تقاتلوا ليكون ذلك دفعاً وقمعاً للعدو { قالوا } يعني المنافقين { لو نعلم قتالاً لاتبعناكم } أي لو نعلم أن اليوم يجري فيه قتال لاتبعناكم ولم نرجع ولو علموا ما تبعوهم . وقيل معناه لو نحسن قتالاً لاتبعناكم { هم للكفر } يعني المنافقين إلى الكفر { يومئذٍ أقرب منهم للإيمان } أي الإيمان وإنما قال تعالى يومئذٍ لأنهم قبل ذلك اليوم لم يظهروا ما أظهروه من المعاندة والرجوع عن المسلمين وقولهم لو لم نعلم قتالاً لاتبعانكم وإنما كانوا قبل ذلك يظهرون كلمة الإسلام ويخفون الكفر { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } يعني يظهرون بألسنتهم الإيمان وليس هو في قلوبهم إنما في قلوبهم الكفر والنفاق وهذه صفة المنافقين لا صفة المؤمنين لأن صفة المؤمن المخلص موطأة القلب للسان على شيء واحد وهو التوحيد { والله أعلم بما يكتمون } يعني من النفاق .