غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ} (167)

161

{ وقيل لهم } قال الأصم : هذا القائل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يدعوهم إلى القتال . وقيل : هو أبو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ، لما انخزل عبد الله بن أبي بثلث الناس تبعهم وقال : أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم { تعالوا قاتلوا في سبيل الله } إن كان في قلبكم حب هذا الدين { أو ادفعوا } عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم إن لم يكن بكم هم الآخرة وطلب مرضاة الله أي كونوا من رجال الدين أو من رجال الدنيا .

وقال السدي وابن جريج : ادفعوا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا لأن الكثرة أحد أسباب الهيبة والرعب . ثم إنه كأن سائلاً سأل فما أجاب المنافقون عند دعاء المؤمنين إياهم إلى القتال ؟ فقيل : { قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم } كأنهم جحدوا أن يكون بين الفريقين قتال ألبتة . أو المراد لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لوافقناكم عليه ، ولكنكم تلقون بأيديكم إلى التهلكة ، وذلك أن رأي عبد الله كان في الإقامة وما كان يستصوب الخروج من المدينة ، وكلا المعنيين منهم في الجواب فاسد . أما الأول فلأن ظهور أمارات الحرب كافٍ في وجب القتال والدفع عن النفس والمال . والظن في أمور الدنيا قائم مقام العلم ، ولا أمارة أقوى من قرب الأعداء من المدينة عند جبل أحد . وأما الثاني فلأنه تعالى لما وعدهم النصر والغلبة إن صبروا واتقوا لم يكن الخروج إلى ذلك القتال إلقاء النفس إلى التهلكة . ولركاكة جوابهم قال : { هم للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان } لأنهم تباعدوا بهذا الجواب المنبئ عن الدغل والنفاق عن الإيمان المظنون بهم قبل اليوم . والمراد أنهم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانخزال تقوية لجانب المشركين وعلى الأول قال أكثر العلماء : إنه تنصيص من الله تعالى على أنهم كفار لأن القرب من الكفر حصول الكفر . قال الحسن : إذا قال الله أقرب فهو اليقين بأنهم مشركون كقوله :{ مائة ألف أو يزيدون }[ الصافات :147 ] فهذه الزيادة لا شك فيها . وقال الواحدي : فيه دليل على أن الآتي بكلمة التوحيد لا يكفر لأنه تعالى لم يظهر القول بتكفيرهم { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } أي لا يتجاوز الإيمان حناجرهم ومخارج الحروف منهم خلاف صفة المؤمنين في مواطأة قلوبهم ما نطقوا به من التوحيد { والله أعلم بما يكتمون } من بغض الإسلام والمسلمين وسائر مجاري أحوالهم فيما بينهم . وذلك أن المؤمنين قد علموا بعض ذلك بالقرائن والأمارات ، وهو تعالى عالم بتفاصيل ذلك { لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض }[ سبا :3 ] .

/خ175