فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ} (167)

وقوله : { وَلِيَعْلَمَ الذين نَافَقُوا } عطف على ما قبله ، قيل : أعاد الفعل لقصد تشريف المؤمنين عن أن يكون الفعل المسند إليهم ، وإلى المنافقين ، واحداً . والمراد بالعلم هنا : التمييز والإظهار ؛ لأن علمه تعالى ثابت قبل ذلك ؛ والمراد بالمنافقين هنا : عبد الله بن أبيّ وأصحابه . قوله : { وَقِيلَ لَهُمْ } هو معطوف على قوله : { نَافَقُوا } أي : ليعلم الله الذين نافقوا ، والذين قيل لهم ، وقيل : هو كلام مبتدأ أي : قيل لعبد الله بن أبيّ ، وأصحابه : { تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله } إن كنتم ممن يؤمن بالله ، واليوم الآخر { أَوِ ادفعوا } عن أنفسكم إن كنتم لا تؤمنون بالله ، واليوم الآخر ، فأبوا جميع ذلك ، وقالوا : لو نعلم أنه سيكون قتالاً لاتبعناكم ، وقاتلنا معكم ، ولكنه لا قتال هنالك ؛ وقيل : المعنى : لو كنا نقدر على القتال ، ونحسنه لاتبعناكم ؛ ولكنا لا نقدر على ذلك ، ولا نحسنه . وعبر عن نفي القدرة على القتال بنفي العلم به ؛ لكونها مستلزمة له ، وفيه بعد لا ملجئ إليه ، وقيل : معناه : لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لاتبعناكم ، ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال ، ولكنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة ، لعدم القدرة منا ، ومنكم على دفع ما ورد من الجيش بالبروز إليهم ، والخروج من المدينة ، وهذا أيضاً فيه بعد دون بعد ما قبله ، وقيل : معنى الدفع هنا : تكثير سواد المسلمين ، وقيل : معناه : رابطوا ، والقائل للمنافقين هذه المقالة التي حكاها الله سبحانه : هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريّ ، والد جابر بن عبد الله .

قوله : { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ للإيمان } أي : هم في هذا اليوم الذي انخذلوا فيه عن المؤمنين إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان عند من كان يظن أنهم مسلمون ؛ لأنهم قد بينوا حالهم ، وهتكوا أستارهم ، وكشفوا عن نفاقهم إذ ذاك ، وقيل المعنى : أنهم لأهل الكفر يومئذ أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان . قوله : { يَقُولُونَ بأفواههم ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما تقدّمها ، أي : أنهم أظهروا الإيمان ، وأبطنوا الكفر ، وذكر الأفواه للتأكيد ، مثل قوله : { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] .

/خ168