بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ} (167)

ثم بيّن أمر المنافقين وصنيعهم وقلة حسبتهم في أمر الجهاد ، فقال : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ في سَبِيلِ الله أَوِ ادفعوا } يعني : إن لم تقاتلوا لوجه الله ، فقاتلوا دفعاً عن أنفسكم وحريمكم .

قال الكلبي : ويقال { ادفعوا } يعني : كثروا . وقال القتبي : { ادفعوا } ، أي كثروا لأنكم إذا كثرتم ثم دفعتم القوم بكثرتكم { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتبعناكم هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ للإيمان } يعني : أن ميلهم إلى الكفر أقرب من ميلهم إلى الإيمان . وقوله : { لاتبعناكم } أي لجئنا معكم . قال الضحاك : وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج يوم أحد ، أبصر كتيبة خثناء وفيها كبكبة من الناس ، فقال : « مَنْ هَؤُلاءِ » ؟ فقيل : يا نبيّ الله ، هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي . فقال : « إِنَّا لاَ نَسْتَعِينُ بِالكُفَّارِ » فرجع عبد الله مع حلفائه من اليهود . فقال له عمر : أقم مع المؤمنين . فقال : { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتبعناكم } . ويقال : إن عونهم للكفار أكثر من عونهم للمؤمنين { يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ } ذكر الأفواه على معنى التأكيد ، لأن الرجل يقول بالمجاز بالإشارة ، وهذا كما قال : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] و { سَيَقُولُ لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب شغلتنا أموالنا وَأَهْلُونَا فاستغفر لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [ الفتح : 11 ] { والله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } من النفاق والكفر .