صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ} (5)

{ ولا أنتم عابدون } فيما يستقبل أبدا{ ما أعبد } فأيأسهم من الذي طمعوا فيه ، وأخبرهم أنه غير كائن منه في وقت من الأوقات . وأيأس نبيه من الطمع في أيمانهم ؛ وقد تحقق ذلك بموت بعضهم على الكفر ، وقتل باقيهم يوم بدر .

وللمفسرين أقوال كثيرة في تفسير هذه القرائن الأربع ؛ فمنهم من حمل الأوليين على الاستقبال ، والأخريين على المضي أو على الحال ، ومنهم من حمل الأوليين على المضي والأخريين على الاستقبال . ومنهم جعل القرينة الثالثة المنفية توكيدا للأولى ، والرابعة توكيدا للثانية . وقيل غير ذلك . كما اختلفوا في " ما " في القرينة الثانية والرابعة ؛ فحملها بعضهم على الصفة . كأنه قيل : ولا أنتم عابدون ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قسره ، واختار أبو مسلم : أنها في القرينتين الأولين موصولة ، وفي الأخريين مصدرية ؛ أي لا أعبد المعبود الذي تعبدون ، ولا أنتم عابدون المعبود الذي أعبد ، ولا أنا عابد مثل عبادتكم المبنية على الشرك المخرج لها عن كونها عبادة حقيقية ، ولا أنتم عابدون مثل عبادتي المبينة على التوحيد والإخلاص . وقيل غير ذلك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ} (5)

{ ولا أنتم عابدون ما أعبد } في الاستقبال . وهذا خطاب لمن سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون . وقوله : { ما أعبد } أي : من أعبد ، لكنه ذكره لمقابلة : { ما تعبدون } ، ووجه التكرار : قال أكثر أهل المعاني : هو أن القرآن نزل بلسان العرب ، وعلى مجاز خطابهم ، ومن مذاهبهم التكرار ، إرادة التوكيد والإفهام كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز . وقال القتيبي : تكرار الكلام لتكرار الوقت ، وذلك أنهم قالوا : إن سرك أن ندخل في دينك سنة فادخل في ديننا سنة . فنزل هذه السورة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ} (5)

{ ولا أنتم عابدون ما أعبد } هذا إخبار أن هؤلاء الكفار لا يعبدون الله ، كما قيل لنوح : { إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } ، إلا أن هذا في حق قوم مخصوصين ماتوا على الكفر ، وقد روي : أن هؤلاء الجماعة المذكورين هم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبى بن خلف وابن الحجاج ، وكلهم ماتوا كفارا ، فإن قيل : لم قال : { ما أعبد } بما دون من التي هي موضوعة لمن يعقل ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ذلك لمناسبة قوله : { لا أعبد ما تعبدون } فإن هذا واقع على الأصنام التي لا تعقل ثم جعل { ما أعبد } على طريقته لتناسب اللفظ .

الثاني : أنه أراد الصفة ، كأنه قال : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق ، قاله الزمخشري .

الثالث : أن ما مصدرية ، والتقدير لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي ، وهذا ضعيف ، فإن قيل : لم كرر هذا المعنى واللفظ فقال : بعد ذلك { ولا أنتم عابدون ما أعبد } مرة أخرى ؟ فالجواب من وجهين :

أحدهما : قول الزمخشري ، وهو أن الأول في المستقبل .

الثاني : فيما مضى .

والآخر : قاله ابن عطية : وهو أن الأول في الحال والثاني في الاستقبال ، فهو حتم عليهم أن لا يؤمنوا أبدا .