وأما وجه تكرار الكلام فإن معنى الآية { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } في الحال ، { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في الحال ، { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } في الاستقبال ، { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في الاستقبال ، وهذا خطاب لمن سبق في علم الله سبحانه أنهم لا يؤمنون ، وقال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب وعلى مجاري خطابهم ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التوكيد والإفهام ، كما أن مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لإن إتيان المتكلّم والخطيب وخروجه من شيء الى شيء آخر أفضل من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى :{ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن ]
{ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 15 ] في غير موضع من سورة واحدة ، وقال سبحانه :
{ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 4 -5 ] وقال : تعالى{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } [ الانفطار : 17 ] وقال :{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } [ الشرح : 5-6 ] كل هذا أراد به التأكيد ، ويقول القائل : ارم ارم ، عجّل عجل ، ومنه الحديث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر ذات يوم فقال : " إن بني مخزوم استأذنوا أن ينكحوا فتاتهم علياً ، فلا آذن ، ثم لا آذن ؛ لأنَّ فاطمة بضعة مني ، يسرّها ما يسرّني ، ويسوءها ما يسوءني " .
هلا سألت جموع كندة *** يوم ولوا أين أينا
يا علقمه يا علقمه يا علقمه *** خير تميم كلّها وأكرمه
قربا مربط النعامة مني *** لقحت حرب وائل عن حيان
ثم قال في عدة أبيات من هذه القصيدة :
وأنشدني أبو القاسم بن حبيب قال : أنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن المظفر الأنباري قال : أنشدنا أبو بكر محمد بن أحمد بن القاسم الأنباري لبعض نساء الإعراب .
يقول رجال زوجها لعلها *** تقر وترضى بعده بحليل
فأخفت في النفس التي ليس دونها *** رجاء وإن الصدق أفضل قيل
أبعد ابن عمي سيد القوم مالك *** أزَّف إلى بعل ألدّ كليل
وحدّثني أصحابه أن مالكاً *** أقام ونادى صحبه برحيل
وحدّثني أصحابه أن مالكاً *** صروم كماضي الشفرتين صقيل
وحدّثني أصحابه أن مالكاً *** جواد بما في الرحل غير بخيل
وقال القتيبي : وفيه وجه آخر وهو أنَّ قريشاً قالوا : إن سرّك أن ندخل في دينك عاماً فأدخل في ديننا عاماً ، فنزلت هذه السورة ، فتكرار الكلام لتكرار الوقت ، وقال : فيه وجه آخر ، وهو أن القرآن نزل شيئا بعد شيء ، وآية بعد آية ، فكأنهم قالوا : اعبد آلهتنا سنة ، فقال الله سبحانه : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } ثم قالوا بعد ذلك : استلم بعض آلهتنا ، فانزل الله تعالى : { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.