إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ} (5)

{ وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ } أيْ وما عبدتُم في وقتٍ مِنَ الأوقاتِ مَا أنا على عبادتِهِ . وقيلَ : هاتانِ الجملتانِ لنفي العبادةِ حالاً ، كما أنَّ الأولين لنفيها استقبالاً ، وإنَّما لم يقُلْ ما عبدتُ ليوافقَ ( ما عبدتُم ) ؛ لأنَّهم كانُوا موسومينَ قبلَ البعثةِ بعبادةِ الأصنامِ ، وهُوَ عليهِ السلامُ لم يكُنْ حينئذٍ موسوماً بعبادةِ الله تعَالَى . وإيثارُ ( مَا ) في أعبدُ على ( مَنْ ) لأنَّ المرادَ هُوَ الوصفُ ، كأنَّه قيلَ : مَا أعبدُ مِنَ المعبودِ العظيمِ الشأنِ الذي لا يُقادَرُ قدرُ عظمتِهِ . وقيلَ : إنَّ ( مَا ) مصدريةٌ ، أيْ لا أعبدُه عبادتَكُم ، ولا تعبدونَ عبادَتِي . وقيلَ : الأوليانِ بمَعْنى الذي ، والأخريانِ مصدريتانِ . وقيلَ : قولُه تعالَى : { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } [ سورة الكافرون ، الآية 4 ] تأكيدٌ لقولِه تعَالَى : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [ سورة الكافرون ، الآية 2 ] ، وقولُه تعالَى : { وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ } [ سورة الكافرون ، الآية 3 ] ثانياً تأكيدٌ لمثلِه المذكورِ أولاً .