السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ} (5)

{ ولا أنتم عابدون }أي : في الاستقبال { ما أعبد } وهو الله وحده لا شريك له ، وهذا خطاب لمن علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون . وإطلاق ما على الله تعالى على جهة المقابلة ، وبهذا زال التكرار ، ووجه التكرار كما قال أكثر أهل المعاني : هو أن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم ، ومن مذاهبهم التكرار لإرادة التأكيد والإفهام ، كما أنّ من مذاهبهم الاختصار لإرادة التخفيف والإيجاز ، فالقائل بالتأكيد يقول : قوله تعالى : { ولا أنا عابد ما عبدتم } تأكيد لقوله تعالى : { لا أعبد ما تعبدون } [ التكاثر : 3 4 ] ، وقوله تعالى : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } ثانياً تأكيد لقوله تعالى : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } ، ومثله { فبأي آلاء ربكما تكذبان } [ الرحمن : 77 ] و{ ويل يومئذ للمكذبين } [ المرسلات : 15 ] في سورتيهما ، و{ كلا سوف تعلمون 3 ثم كلا سوف تعلمون } [ التكاثر : 3 4 ] ، وفي الحديث : «فلا آذن ثم لا آذن ، إنما فاطمة بضعة مني » . وفائدة التأكيد هنا قطع أطماع الكفار ، وتحقيق الأخبار ، وهو إقامتهم على الكفر ، وأنهم لا يسلمون أبداً ، وعلى الأوّل قد تقيدت كل جملة بزمان غير الزمان الآخر . قال ابن عادل : وفيه نظر ، كيف يقيد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفي عبادته لما يعبدون بزمان ، وهذا مما لا يصح . اه . وقد يردّ هذا بأنه صلى الله عليه وسلم نفى في الجملة الأولى الحال ، وفي الثانية الاستقبال . وقول البيضاوي : فإن ( لا ) لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال ، كما أنّ ما لا تدخل إلا على المضارع بمعنى الحال ، جرى على الغالب فيهما .