صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

{ واذكر اسم ربك } أي دم على ذكره تعالى ليلا ونهارا بالتسبيح والتحميد والصلاة وتلاوة القرآن وغير ذلك ؛ فهو تعميم بعد التخصيص . { وتبتل إليه تبتيلا } انقطع إليه تعالى في العبادة والدعاء انقطاعا ، وجرد نفسك من كل ما سواه ؛ من التبتل ، وهو الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل . ومنه بتلت الحبل : أي قطعته .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"وَاذْكُرْ "يا محمد "اسْمَ رَبّكَ" فادعه به.

"وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً": وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره، وهو من قولهم: تبتّلتُ هذا الأمر، ومنه قيل لأمّ عيسى بن مريم البتول، لانقطاعها إلى الله، ويقال للعابد المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله: قد تبتل... عن ابن عباس، قوله: "وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً": أخلص له إخلاصا.

عن قتادة، قوله: "وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً": أخلص له العبادة والدعوة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{واذكر اسم ربك} أي اذكر ربك، دليله قوله على إثره {وتبتل إليه تبتيلا} [وبالتبتيل ينقطع إليه لا إلى اسمه.

ثم ذكر الرب، جل جلاله، هو أن ينظر المرء إلى أحوال نفسه ويتساءل ما الذي يلزمه من العبادة في تلك الحال، فيكون ذكر ربه بإقامة تلك العبادة لا بأن يذكر الله تعالى بلسانه فقط، وهو كقوله: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا} [نوح 10] واستغفارهم أن يأتمروا بما أمروا، وينتهوا عما نهوا، لا أن يقولوا بألسنتهم: نستغفر الله، لأنهم وإن قالوا: نستغفر الله، لم يقبل ذلك منهم إذا كانوا كفرة. فثبت أن استغفارهم أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه نوح.

فلذلك ذكر الله تعالى يقع بوفاء ما تلزمهم حال القيام به، وذلك يكون بالأفعال مرة وبالأقوال ثانيا.

ومنهم من صرف الأمر إلى الاسم على ما يؤديه ظاهر اللفظ إذ أمر بذكر اسم الرب لما يحصل له من الفوائد بذكرها؛ لأن من أسمائه أسماء ترغبه في اكتساب الخيرات والإقبال على عبادة الرب ومنها ما يدعو الذاكر إلى الخوف والرهبة، ومنها ما يوفقه على عجائب حكمته ولطف تدبيره وتقرير سلطانه وعظمته في قلبه، ومنها ما يحدث له زيادة علم بصيرة، وهي الأسماء المشتقة من الأفعال، وإذا تأمل فيها عرف الوجه الذي منه اشتقت تلك الأسماء، فذكر أسمائه يحدث ما ذكرنا من الفوائد والعلوم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{واذكر اسم رَبِّكَ} ودم على ذكره في ليلك ونهارك، واحرص عليه، وذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب: تسبيح، وتهليل، وتكبير، وتمجيد، وتوحيد، وصلاة، وتلاوة قرآن، ودراسة علم، وغير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغرق به ساعة ليله ونهاره.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

فِي مَعْنَى التَّبَتُّلِ: وَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ التَّفَرُّدُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ " وَقَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ الْأَقْوَى: هُوَ الْقَطْعُ، يُقَالُ: بَتَلَ إذَا قَطَعَ، وَتَبَتَّلَ إذَا كَانَ الْقَطْعُ فِي نَفْسِهِ، فَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّ مَعْنَى الْآيَةِ انْفَرِدْ لِلَّهِ، وَصَدَقَةٌ بَتْلَةٌ، أَيْ مُنْقَطِعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.

وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ لَاخْتَصَيْنَا» يَعْنِي الِانْقِطَاعَ عَن النِّسَاءِ...

مَعْنَى الْآيَةِ: انْقَطِعَ عَن الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَعَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ أَخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَمْ يُرِدْ: انْقَطِعْ عَن النَّاسِ وَالنِّسَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ لِأَجْلِ مَا رُوِيَ مِنْ «نَهْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ] التَّبَتُّلِ» فَصَارَ التَّبَتُّلُ مَأْمُورًا بِهِ فِي الْقُرْآنِ، مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي السُّنَّةِ؛ وَمُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ؛ إذْ لَا يَتَنَاقَضَانِ، وَإِنَّمَا بُعِثَ النَّبِيُّ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ، فَالتَّبَتُّلُ الْمَأْمُورُ بِهِ الِانْقِطَاعُ إلَى اللَّهِ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.

وَالتَّبَتُّلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ سُلُوكُ مَسْلَكِ النَّصَارَى فِي تَرْكِ النِّكَاحِ وَالتَّرَهُّب فِي الصَّوَامِعِ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان التقدير: فاجتهد في التهجد، عطف عليه قوله حاثاً على حضور الفكر: {واذكر اسم ربك} أي المحسن إليك والموجد والمدبر لك بكل ما يكون ذكراً من اسم وصفة وثناء وخضوع وتسبيح وتحميد وصلاة وقراءة ودعاء وإقبال على علم شرعي وأدب مرعي ودم على ذلك، فإذا عظمت الاسم بالذكر فقد عظمت المسمى بالتوحيد والإخلاص، وذلك عون لك على مصالح الدارين، أما الآخرة فواضح، وأما الدنيا فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أعز الخلق عليه فاطمة ابنته رضي الله عنها لما سألته خادماً يقيها التعب إلى التسبيح والتحميد والتكبير عند النوم. ولما كان الذكر قد يكون مع التعلق بالغير، أعلم أن الذاكر في الحقيقة إنما هو المستغرق فيه سبحانه وبه يكون تمام العون فقال: {وتبتل} أي اجتهد في قطع نفسك عن كل شاغل، والإخلاص في جميع أعمالها بالتدريج قليلاً قليلاً، منتهياً: {إليه} ولا تزل على ذلك حتى يصير لك ذلك خلقاً فتكون نفسك كأنها منقطعة بغير قاطع ومقطعة تقطيعاً كثيراً بكل قاطع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وذكر اسم الله، ليس هو مجرد ترديد هذا الاسم الكريم باللسان، على عدة المسبحة المئوية أو الألفية! إنما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر؛ أو هو الصلاة ذاتها وقراءة القرآن فيها. والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا الله، والاتجاه الكلي إليه بالعبادة والذكر، والخلوص من كل شاغل ومن كل خاطر، والحضور مع الله بكامل الحس والمشاعر.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على {قم الليل} [المزمل: 2] وقصد بإطلاق الأمر عن تعيين زمان إلى إفادة تعميمه، أي اذكر اسم ربك في الليل وفي النهار كقوله: {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً} [الإنسان: 25].

وإقحام كلمة {اسم} لأن المأمور به ذكر اللسان وهو جامع للتذكر بالعقل لأن الألفاظ تجري على حسب ما في النفس، ألا ترى إلى قوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول} [الأعراف: 205].

والتبتل: الانقطاع، أي تفرغ البال والفكر إلى ما يرضي الله، فكأنه انقطع عن الناس وانحاز إلى جانب الله فعدي ب « إلى» الدالة على الانتهاء،

والتبتيل: مصدر بتَّل المشدد الذي هو فعل متعد مثل التّقطيع.

وجيء بهذا المصدر عوضاً عن التبتل للإِشارة إلى أن حُصول التبتل، أي الانقطاع يقتضي التبتيل أي القطْع. ولما كان التبتيل قائماً بالمتبتل تعين أن تبتيله قطعه نفسه عن غير من تبتل هو إليه، فالمقطوع عنه هنا هو من عدا الله تعالى، فالجمع بين {تبتل} و {تبتيلاً} مشير إلى إراضة النفس على ذلك التبتل. وفيه مع ذلك وفاء بِرعي الفواصل التي قبله.

والمراد بالانقطاع المأمور به انقطاع خاص وهو الانقطاع عن الأعمال التي تمنعه من قيام الليل ومهام النهار في نشر الدعوة ومحاجّة المشركين ولذلك قيل {وتبتل إليه} أي إلى الله فكل عمل يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال الحياة فهو لدين الله فإن طعامه وشرابه ونومه وشؤونه للاستعانة على نشر دين الله. وكذلك منعشات الروح البريئة من الإِثم مثل الطِّيب، وتزوج النساء، والأنس إلى أهله وأبنائه وذويه، وقد قال: « حُبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب».

وليس هو التبتل المفضي إلى الرهبانية وهو الإِعراض عن النساء وعن تدبير أمور الحياة لأن ذلك لا يلاقي صفة الرسالة.

وفي حديث سعْد في « الصحيح» « ردّ رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذِن له لاختصينا» يعني ردّ عليه استشارته في الإِعراض عن النساء.

ومن أكبر التبتل إلى الله الانقطاع عن الإِشراك، وهو معنى الحنيفيّة، ولذلك عقب قوله: {وتبتل إليه تبتيلاً} بقوله: {ربّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو}.

وخلاصة المعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور أن لا تخلو أوقاته عن إقبال على عبادة الله ومراقبته والانقطاع للدعوة لدين الحق، وإذ قد كان النبي صلى الله عليه وسلم من قبلُ غير غافل عن هذا الانقطاع بإرشاد من الله كما ألهمه التحنّث في غار حراء ثم بما أفاضه عليه من الوحي والرسالة، فالأمر في قوله: {واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه} مراد به الدوام على ذلك فإنه قد كان يذكر الله فيما قبل فإن في سورة القلم (51) (وقد نزلت قبل المزمل) {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} على أن القرآن الذي أنزل أولاً أكثره إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم إلى طرائق دعوة الرسالة، فلذلك كان غالب ما في هذه السورِ الأولِ منه مقتصراً على سَن التكاليف الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " واذكر اسم ربك " أي ادعه بأسمائه الحسنى ، ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة . وقيل : أي اقصد بعملك وجه ربك ، وقال سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك ، وتقطعك عما سواه{[15512]} . وقيل : اذكر اسم ربك في وعده ووعيده ، لتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته . وقال الكلبي : صل لربك أي بالنهار .

قلت : وهذا حسن فإنه لما ذكر الليل ذكر النهار ؛ إذ هو قسيمه ، وقد قال الله تعالى : " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر " [ الفرقان : 62 ] على ما تقدم{[15513]} .

الثانية- قوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا " التبتل : الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل ؛ أي انقطع بعبادتك إليه ، ولا تشرك به غيره . يقال : بتلت الشيء أي قطعته ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ، وهذه صدقة بتة بتلة ، أي بائنة منقطعة عن صاحبها ، أي قطع ملكه عنها بالكلية ، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى ، ويقال للراهب متبتل ؛ لانقطاعه عن الناس ، وانفراده بالعبادة ، قال :

تُضِيءُ الظَّلامَ بالعِشَاء كأنَّهَا *** مَنارةُ مُمْسَى راهبٍ مُتَبَتَّلِ{[15514]}

وفي الحديث النهي عن التبتل ، وهو الانقطاع عن الناس والجماعات . وقيل : إن أصله عند العرب التفرد ، قاله ابن عرفة . والأول أقوى لما ذكرنا . ويقال : كيف قال : تبتيلا ، ولم يقل تبتلا ؟ قيل له : لأن معنى تبتل بتل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل .

الثالثة- قد مضى في ( المائدة ){[15515]} في تفسير قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " [ المائدة : 87 ] كراهة لمن تبتل وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما فيه كفاية . قال ابن العربي : وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام{[15516]} ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله ، وكذلك قال مجاهد : معناه : أخلص له العبادة ، ولم يرد التبتل ، فصار التبتل مأمورا به في القرآن ، منهيا عنه في السنة ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ، فلا يتناقضان ، وإنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم ، فالتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ، كما قال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين{[15517]} " [ البينة : 5 ] والتبتل المنهي عنه : هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهيب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن .


[15512]:في أ، ح، ز، ط، "تهواه".
[15513]:راجع جـ 13 ص 65.
[15514]:البيت من معلقة امرئ القيس، ومعناه: إذا ابتسمت بالليل رأيت لثناياها بريقا وضوءا، وإذا برزت في الظلام استنار وجهها حتى يغلب ظلمة الليل. وممسى راهب: أي إمساؤه.
[15515]:راجع جـ 6 ص 261.
[15516]:حطام الدنيا: كل ما فيها من مال يفنى ولا يبقى.
[15517]:راجع جـ 20 ص 144.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

ولما كان التقدير : فاجتهد في التهجد ، عطف عليه قوله حاثاً على {[69442]}حضور الفكر{[69443]} : { واذكر اسم ربك } أي المحسن إليك والموجد والمدبر لك بكل ما يكون ذكراً من اسم وصفة وثناء وخضوع وتسبيح وتحميد وصلاة وقراءة ودعاء وإقبال على علم شرعي وأدب مرعي ودم على ذلك ، فإذا عظمت الاسم بالذكر فقد عظمت المسمى بالتوحيد والإخلاص ، وذلك عون{[69444]} لك على مصالح الدارين ، أما الآخرة فواضح ، وأما الدنيا فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أعز الخلق عليه {[69445]}فاطمة ابنته{[69446]} رضي الله عنها لما سألته خادماً يقيها التعب إلى التسبيح والتحميد والتكبير عند النوم .

ولما كان الذكر قد يكون مع التعلق بالغير ، أعلم أن الذاكر{[69447]} في الحقيقة{[69448]} إنما هو المستغرق فيه سبحانه وبه يكون تمام العون فقال : { وتبتل } أي اجتهد في قطع نفسك عن كل شاغل ، والإخلاص في جميع أعمالها بالتدريج قليلاً قليلاً ، منتهياً : { إليه } ولا تزل على ذلك حتى يصير لك ذلك خلقاً فتكون نفسك كأنها منقطعة بغير قاطع ومقطعة تقطعياً كثيراً بكل قاطع ، فيكون التقدير - بما أرشد إليه المصدر " تبتلاً " وبتلها { تبتيلاً * } فأعلم بالتأكيد بالمصدر المرشد إلى الجمع بين التفعل والتفعيل بشدة{[69449]} الاهتمام وصعوبة المقام ، وهو من البتل وهو القطع ، صدقة {[69450]}بتلة{[69451]} أي مقطوعة عن صاحبها ، ولذلك قال زيد بن أسلم{[69452]} : التبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله تعالى ، والبتول مريم عليها السلام لانقطاعها إلى الله تعالى ، عن جميع خلقه ، وكذا فاطمة الزهراء البتول أيضاً{[69453]} لانقطاعها عن {[69454]}قرين ومثيل ونظير{[69455]} ، فالمراد بهذا{[69456]} هو المراد بكلمة التوحيد المقتضية للإقبال عليه والإعراض عن كل ما سواه ، وذلك بملازمة الذكر وخلع الهوى ، والآية من الاحتباك و{[69457]}هو ظاهر{[69458]} : ذكر فعل التبتل دليلاً على حذف مصدره ، وذكر مصدر بتل دليلاً على حذف فعله{[69459]} .


[69442]:من ظ و م، وفي الأصل: حصول التفكر.
[69443]:من ظ و م، وفي الأصل: حصول التفكر.
[69444]:من ظ و م، وفي الأصل: عونا.
[69445]:من ظ و م، وفي الأصل: ابنته فاطمة.
[69446]:من ظ و م، وفي الأصل: ابنته فاطمة.
[69447]:في م: بالحقيقة.
[69448]:في م: بالحقيقة.
[69449]:من ظ و م، وفي الأصل: لشدة.
[69450]:من ظ و م، وفي الأصل: بتبتيله.
[69451]:من ظ و م، وفي الأصل: بتبتيله.
[69452]:في المعالم 7/140:ابن زيد.
[69453]:زيدت الواو في م.
[69454]:من م، وفي الأصل: نظير وقرين، وفي ظ: قرين ونظير.
[69455]:من م، وفي الأصل: نظير وقرين، وفي ظ: قرين ونظير.
[69456]:من ظ و م، وفي الأصل: هذه.
[69457]:من ظ و م، وفي الأصل: ظاهره.
[69458]:من ظ و م، وفي الأصل: ظاهره.
[69459]:من ظ و م، وفي الأصل: فعل.