قوله تعالى : { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } أي : ذاهب وسوف يذهب ويبطل ، من قولهم : مر الشيء واستمر إذا ذهب ، مثل قولهم : قر واستقر ، هذا قول مجاهد وقتادة . وقال أبو العالية والضحاك : مستمر أي : قوي شديد يعلو كل سحر ، من قولهم : مر الحبل ، إذا صلب واشتد ، وأمررته أنا إذا أحكمت فتله ، واستمر الشيء إذا قوي واستحكم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ يَرَ الْمُشْرِكُونَ عَلَامَةً تَدُلُّهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدِلَالَةً تَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ عَنْ رَبِّهِمْ، يُعْرِضُوا عَنْهَا، فَيُوَلُّوا مُكَذّبينِ بِهَا مُنْكِرِينَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا يَقِينًا، وَيَقُولُوا تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهَا، وَإِنْكَارًا لَهَا أَنْ تَكُونَ حَقًّا: هَذَا سِحْرٌ سَحَرَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ حِينَ خَيَّلَ إِلَيْنَا أَنَّا نَرَى الْقَمَرَ مُنْفَلِقًا بِاثْنَيْنِ بِسِحْرِهِ، وَهُوَ سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، يَعْنِي يَقُولُ: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ: ذَاهِبٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ مَرَّ هَذَا السِّحْرُ، إِذَا ذَهَبَ... وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُوَجِّهُ قَوْلَهُ: {مُسْتَمِرٌّ} إِلَى أَنَّهُ مُسْتَفْعِلٌ مِنَ الْإِمْرَارِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ مَرَّ الْجَبَلُ: إِذَا صَلُبَ وَقَوِيَ وَاشْتَدَّ، وَأَمْرَرْتُهُ أَنَا: إِذَا فَتَلْتُهُ فَتلًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}: سِحْرٌ شَدِيدٌ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... {وإن يروا آية} حسّية {يُعرِضوا} لأن آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم عامّتها وأكثرها، كانت عقلية وسمعية، فيُخبر عن سفهِهم وتعنّتهم أنهم {وإن يروا آية} حسّية {يعرضوا} عنها...
{ويقولوا سحرٌ مستمر} اختلف فيه: منهم من قال: {سحر مستمر} أي ماض لم يزل الرسل عليهم السلام كانوا يأتون بمثله من السّحر. ومنهم من قال: {سحر مستمر} أي قوي مأخوذ من المرّة، وهي القوة... ومنهم من قال: {سحرٌ مستمر} أي ذاهب، يذهب، ويتلاشى، ولا يبقى.
{وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} تقديره: وبعد هذا إن يروا آية يقولوا سحر، فإنهم رأوا آيات أرضية، وآيات سماوية، ولم يؤمنوا، ولم يتركوا عنادهم، فإن يروا ما يرون بعد هذا لا يؤمنون.
وفيه وجه آخر وهو أن يقال: المعنى أن عادتهم أنهم إن يروا آية يعرضوا، فلما رأوا انشقاق القمر أعرضوا لتلك العادة، وفيه مسائل:
المسألة الثالثة: التنكير في الآية للتعظيم أي إن يروا آية قوية أو عظيمة يعرضوا. المسألة الرابعة: قوله تعالى: {ويقولوا سحر مستمر} ما الفائدة فيه؟
نقول: فائدته بيان كون الآية خالية عن شوائب الشبه، وأن الاعتراف لزمهم لأنهم لم يقدروا أن يقولوا: نحن نأتي بمثلها وبيان كونهم معرضين لا إعراض معذور، فإن من يعرض إعراض مشغول بأمر مهم فلم ينظر في الآية لا يستقبح منه الإعراض مثل ما يستقبح لمن ينظر فيها إلى آخرها ويعجز عن نسبتها إلى أحد ودعوى الإتيان بمثلها، ثم يقول: هذا ليس بشيء هذا سحر لأن ما من آية إلا ويمكن المعاند أن يقول فيها هذا القول.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ويقولوا} أي على سبيل التجديد منهم والاستمرار: هذا {سحر} أي هذا الذي يأتينا به هذا الرجل من وادي الخيال الذي لا حقيقة له وهو {مستمر} أي لأنه فارق السحر بأنه لا ينكشف في الحال لأنه محكم ثابت دائم بشموله وإحاطته بجميع الأنواع، ولذلك يتأثر عنه غاية الخوارق المتباينة الأنواع الكثيرة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فإن وقوع {آية}، وهو نكرة في سياق الشرط يفيد العموم. وجيء بهذا الخبر في صورة الشرط للدلالة على أن هذا ديدنهم ودأبهم. ووصف {مستمر} يجوز أن يكون مشتقاً من فعل مَرّ الذي هو مجاز في الزوال والسين والتاء للتقوية في الفعل، أي لا يبقى القمر منشقاً. ويجوز أن يكون مشتقاً من المِرة بكسر الميم، أي القوة، والسين والتاء للطلب، أي طلب لفعله مِرّة، أي قوة، أي تمكناً. والمعنى: هذا سحر معروف متكرر، أي معهود منه مثله.
قوله تعالى : " وإن يروا آية يعرضوا " هذا يدل على أنهم رأوا انشقاق القمر . قال ابن عباس : اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن كنت صادقا فاشقق لنا القمر فرقتين ، نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن فعلت تؤمنون ) قالوا : نعم ؟ وكانت ليلة بدر ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما قالوا ، فانشق القمر فرقتين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي المشركين : ( يا فلان يا فلان اشهدوا ) . وفي حديث ابن مسعود : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا من سحر بن أبي كبشة ، سحركم فاسألوا السُّفَّار ، فسألوهم فقالوا : قد رأينا القمر انشق فنزلت : " اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا " أي إن يروا آية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن الإيمان " ويقولوا سحر مستمر " أي ذاهب ، من قولهم : مر الشيء واستمر إذا ذهب ، قاله أنس وقتادة ومجاهد والفراء والكسائي وأبو عبيدة ، واختاره النحاس . وقال أبو العالية والضحاك : محكم قوي شديد ، وهو من المرة وهي القوة ، كما قال لقيط :
حتى استمرت على شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ *** مَرَّ العزيمة لا [ قحما ]{[14448]} ولا ضَرَعا
وقال الأخفش : هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله . وقيل : معناه مر من المرارة . يقال : أمر الشيء صار مرا ، وكذلك مر الشيء يمر بالفتح مرارة فهو مر ، وأمره غيره ومره . وقال الربيع : مستمر نافذ . يمان : ماض . أبو عبيدة : باطل . وقيل : دائم . قال{[14449]} :
أي بدائم . وقيل : يشبه بعضه بعضا ، أي قد استمرت أفعال محمد على هذا الوجه فلا . يأتي بشيء له حقيقة بل الجميع تخييلات . وقيل : معناه قد مر من الأرض إلى السماء .
ولما كان التقدير : فأعرض الكفار عن آية انشقاقه وقالوا : سحر ، مع علمهم بأنه دال قطعاً على صدق من انشق لتصديقه ، عطف عليه الإعلام بحالهم في المستقبل فطماً لمن يطلبه من المؤمنين إجابة مقترحة من مقترحاتهم رجاء إيمانهم فقال : { وإن يروا } أي فيما يأتي { آية } أي أية آية كانت { يعرضوا } أي عن الانتفاع بها كما أن أعرضوا عن هذه لما رأوها ، وقال بعضهم : سحر ، وقال بعضهم : أمهلوا حتى يجيء السفار ، فإن قالوا : إنهم رأوا كما رأيتم فليست بسحر ، فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر أهل الأرض كلهم ، فجاء السفار وشهدوا برؤيته منشقاً ، ومع ذلك فلم يؤمنوا { ويقولوا } أي على سبيل التجديد منهم والاستمرار : هذا { سحر } أي هذا الذي يأتينا به هذا الرجل من وادي الخيال الذي لا حقيقة له وهو { مستمر * } أي لأنه فارق السحر بأنه لا ينكشف في الحال لأنه محكم ثابت دائم بشموله وإحاطته بجميع الأنواع ، ولذلك يتأثر عنه غاية الخوارق المتباينة الأنواع الكثيرة .
قوله : { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } يعني إن ير المشركون آية أو معجزة تدل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه مرسل من ربه فإنهم يعرضون عن الإيمان ويتولون عن توحيد الله وطاعته { ويقولوا سحر مستمر } يعني ما رأيناه إنما هو سحر ذاهب أو زائل وباطل . مر الشيء واستمر ، أي ذهب{[4392]} .
ويستدل من الآية على أنهم رأوا انشقاق القمر . فقد قال ابن عباس : اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن كنت صادقا فاشقق لنا القمر فرقتين ، نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فعلت تؤمنون " قالوا : نعم . وكانت ليلة بدر . فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما قالوا : فشق القمر فرقتين ، ورسول الله ينادي المشركين " يا فلان يا فلان اشهدوا " .