قوله : { وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } ، أي ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم : مَرَّ الشَّيْءُ واسْتَمَرَّ إذا ذهب مثل قولهم : قَرَّ واسْتَقَرَّ . قال مجاهد وقتادة : مَنّوا أنفسهم بذلك . وقيل : مستمر أي دائم ؛ فإن محمداً - عليه الصلاة والسلام - كان يأتي كل زمان ومكان بمعجزة فقالوا هذا سحر مستمر دائم ، لا يختلف بالنسبة إلى شيء بخلاف سِحْر السَّحَرَة ، فإن بعضهم يقدر على أمر وأمرين ، وثلاثة ، ويعجز عن غيرها وهو قادر على الكل . قاله الزمخشري{[53839]} . ومنه قول الشاعر :
أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لَيَالٍ وَأَعْصُرٌ *** وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ قَوِيمٍ بِمُسْتَمِرْ{[53840]}
أي بدائم باقٍ . وقيل : معناه شديد المرارة . قال الزمخشري : أي مستبشع عندنا مرّ على لهواتنا لا نقدر أن نَسِيغَه كما لا نَسيغُ{[53841]} المُرَّ . انتهى .
يقال : مَرَّ الشَّيْءُ بنفسه وَمرَّهُ غَيْرُهُ ؛ فيكون متعدياً ولازماً ، ويقال : أَمَرَّهُ أيضاً .
وقال أبو العالية والضحاك : مستمر أي قويّ شديد ، من قولهم : مَرَّ الحَبْل إذا صلب واشتد ، وأَمْرَرْتُهُ إذا أحكمت فَتْلَهُ ، واسْتَمرَّ إذا قَوِيَ واسْتَحكَمَ ، قال لقيط - ( رحمةُ اللَّهِ{[53842]} عليه - ) :
حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ *** صِدْقُ{[53843]} الْعَزِيمَةِ لاَ رَتًّا وَلاَ ضَرَعا{[53844]}
والمراد بقوله : «آيةً » هي اقتراب الساعة ، فإن انشقاق القمر من آياته ، وقد رأوه{[53845]} وكذبوا فإن يروا غيرها أيضاً يعرضون ، أو آية{[53846]} النبوة فإنه معجزة . أما كونه معجزةً ففي غاية الظهور ، وأما كونه آية فلأن منكر خراب العالم ينكر انشقاق السماء ، وانفطارها ، وكل كوكب ، فإذا انشق بعضها كان ذلك مخالفاً لقوله بجواز خراب العالم{[53847]} والمُرَاد بهؤلاء القائلين المعرضين هم الكفار . والتنكير في قوله ( آية ) للتعظيم أي آية قوية أو عظيمة يُعْرِضُوا .
قال أبو حيان : ومعنى مستمر أي يشبه بعضه بعضاً أي اشتهرت أفعاله على هذا الحال{[53848]} . وهذا راجع إلى الدوام المتقدم . وأتى بهذه الجملة الشرطية تنبيهاً على أن حالهم في المستقبل كحالهم في الماضي .
وقرئ : يُرَوْا مبنيًّا للمفعول من أَرَى{[53849]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.