الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ} (2)

قوله : { مُّسْتَمِرٌّ } فيه أقوالٌ ، أحدها : أنَّ معناه : دائمٌ مُطَّرِدٌ . وكلُّ شيءٍ قد انقادَتْ طريقتُه ودامَتْ حالُه قيل فيه : استمرَّ . قاله الزمخشري . ومِنْه قولُه :

ألا إنما الدنيا ليالٍ وأَعْصُرٌ *** وليسَ على شيءٍ قويمٍ بمُسْتَمِرّ

أي : بدائم باقٍ . الثاني : أنَّ معناه : مُوَثَّقٌ مُحْكَمٌ مِنْ قولِهم : أَمَرَّ الحبلَ ، أي : أَحْكَمَ فَتْلَه . قال :

حتى اسْتَمَرَّتْ على شَزْرٍ مَريرتُه *** صِدْقُ العزيمةِ لا رثَّاً ولا ضَرَعا

الثالث : أنَّ معناه مارٌّ ذاهب مَنَّوْا أنفسَهم بذلك . الرابع : أنَّ معناه شديدُ المرارة . قال الزمشخري : " أي : مُسْتَبْشَعٌ عندنا ، مُرٌّ على لَهَواتنا ، ولا نَقْدِرُ أَنْ نَسِيْغَه كما لا نَسيغُ المُرَّ المَقِرَ " انتهى . يقال : مَرَّ الشيءُ بنفسِه ومَ‍رَّه غيرُه ، فيكون متعدياً ولازِماً ويقال : أَمَرَّه أيضاً . الخامس : أنَّ معناهُشْبِهٌ بعضُه بعضاً ، أي : استمرَّتْ أفعالُه على هذا الحالِ . قاله الشيخ ، وهو راجِعٌ إلى المعنى الأول ، أعني الدوامَ والاطِّرادَ ، وكان هو قد حكاه قبل ذلك . وأتى بهذه الجملةِ الشرطيةِ تنبيهاً على أَنَّ حالَهم في المستقبلِ كحالِهم في الماضي . وقُرِىء " يُرَوْا " مبنياً للمفعول مِنْ أَرى .