فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ} (2)

{ وإن يروا } ي كفار قريش { آية } تدل على صدق الرسول والمراد بها هنا انشقاق القمر { يعرضوا } عن تأملها والإيمان بها { ويقولوا } هذا { سحر مستمر } أي : دائم مطرد قوي : وكل شيء دام حاله قيل فيه مستمر وذلك لما رأوا تتابع المعجزات وترادف الآيات أعرضوا عن التصديق بها وقالوا هذا سحر مستمر .

قال الواحدي : قال المفسرون : لما انشق القمر قال المشركون : سحرنا محمد فقال الله { وإن يروا } آية يعني : انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق بها والإيمان بها ، ويقولوا سحر قوي شديد يعلو كل سحر ، من قولهم استمر الشيء إذا قوي واستحكم ، وقد قال بأن معنى مستمر قوي شديد جماعة من أهل العلم ، قال الأخفش : هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله وبه قال أبو العالية والضحاك واختاره النحاس .

وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة { سحر مستمر } أي ذاهب مار سوف يذهب ولا يبقى ، من قولهم مر الشيء واستمر أي ذهب وبطل وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما واختاره النحاس ، وقيل : يشبه بعضه بعضا وقيل : قد مر من الأرض إلى السماء ، وقيل : هو من المرارة ، يقال مر الشيء صار مرا أي مستبشع عندهم مر على أهوائهم لا يقدرون أن يسيغوه كما لا يساغ المر ، وبه قال الزمخشري .

وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قررناه سابقا ، وفي التفهيمات للشيخ ولي الله المحدث الدهلوي رحمه الله : وأما شق القمر فعندنا ليس من المعجزات ، إنما هو من آيات القيامة كما قال تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر } ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم عليه وسلم أخبر عنه قبل وجوده فكان معجزة من هذا السبيل انتهى ، واعترضه بعض من لا يسمن قوله ولا يغني من جوع ، ودفعه جماعة من علماء الهند وغيرهم ، وليس في هذه العبارة إنكار تلك المعجزة كما فهمه بعض القاصرين عن بلوغ رتبة الكمال بل هي أدل دليل على إثباتها عند من يفهم كلام العلماء بالله تعالى ، تأمل .