فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ} (2)

{ وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } قال الواحدي : قال المفسرون : لما انشقّ القمر قال المشركون : سحرنا محمد ، فقال الله : { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً } يعني : انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها ، ويقولوا : سحر قويّ شديد يعلو كل سحر ، من قولهم استمرّ الشيء : إذا قوي واستحكم ، وقد قال بأن معنى { مستمرّ } : قوي شديد جماعة من أهل العلم . قال الأخفش : هو مأخوذ من إمرار الحبل ، وهو شدّة فتله ، وبه قال أبو العالية والضحاك واختاره النحاس ، ومنه قول لقيط :

حتَّى استمرّ على شَر لا يزنه *** صِدْقُ العزيمة لا رثا ولا ضَرَعا

وقال الفراء ، والكسائي ، وأبو عبيدة : { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } أي ذاهب ، من قولهم مرّ الشيء واستمرّ إذا ذهب ، وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما واختاره النحاس . وقيل : معنى مستمرّ : دائم مطرد ، ومنه قول الشاعر :

ألا إنما الدنيا ليال وأعصر *** وليس على شيء قديم بمستمر

أي بدائم باق ، وقيل : { مستمرّ } : باطل ، روي هذا عن أبي عبيدة أيضاً . وقيل : يشبه بعضه بعضاً ، وقيل : قد مرّ من الأرض إلى السماء ، وقيل : هو من المرارة ، يقال : مرّ الشيء صار مرًّا : أي مستبشع عندهم . وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان ، كما قررناه سابقاً .

/خ17