الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ يَرَ الْمُشْرِكُونَ عَلَامَةً تَدُلُّهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدِلَالَةً تَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ عَنْ رَبِّهِمْ، يُعْرِضُوا عَنْهَا، فَيُوَلُّوا مُكَذّبينِ بِهَا مُنْكِرِينَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا يَقِينًا، وَيَقُولُوا تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهَا، وَإِنْكَارًا لَهَا أَنْ تَكُونَ حَقًّا: هَذَا سِحْرٌ سَحَرَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ حِينَ خَيَّلَ إِلَيْنَا أَنَّا نَرَى الْقَمَرَ مُنْفَلِقًا بِاثْنَيْنِ بِسِحْرِهِ، وَهُوَ سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، يَعْنِي يَقُولُ: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ: ذَاهِبٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ مَرَّ هَذَا السِّحْرُ، إِذَا ذَهَبَ... وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُوَجِّهُ قَوْلَهُ: {مُسْتَمِرٌّ} إِلَى أَنَّهُ مُسْتَفْعِلٌ مِنَ الْإِمْرَارِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ مَرَّ الْجَبَلُ: إِذَا صَلُبَ وَقَوِيَ وَاشْتَدَّ، وَأَمْرَرْتُهُ أَنَا: إِذَا فَتَلْتُهُ فَتلًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}: سِحْرٌ شَدِيدٌ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {وإن يروا آية} حسّية {يُعرِضوا} لأن آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم عامّتها وأكثرها، كانت عقلية وسمعية، فيُخبر عن سفهِهم وتعنّتهم أنهم {وإن يروا آية} حسّية {يعرضوا} عنها...

{ويقولوا سحرٌ مستمر} اختلف فيه: منهم من قال: {سحر مستمر} أي ماض لم يزل الرسل عليهم السلام كانوا يأتون بمثله من السّحر. ومنهم من قال: {سحر مستمر} أي قوي مأخوذ من المرّة، وهي القوة... ومنهم من قال: {سحرٌ مستمر} أي ذاهب، يذهب، ويتلاشى، ولا يبقى.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} تقديره: وبعد هذا إن يروا آية يقولوا سحر، فإنهم رأوا آيات أرضية، وآيات سماوية، ولم يؤمنوا، ولم يتركوا عنادهم، فإن يروا ما يرون بعد هذا لا يؤمنون.

وفيه وجه آخر وهو أن يقال: المعنى أن عادتهم أنهم إن يروا آية يعرضوا، فلما رأوا انشقاق القمر أعرضوا لتلك العادة، وفيه مسائل:

...

...

...

...

...

...

....

المسألة الثالثة: التنكير في الآية للتعظيم أي إن يروا آية قوية أو عظيمة يعرضوا. المسألة الرابعة: قوله تعالى: {ويقولوا سحر مستمر} ما الفائدة فيه؟

نقول: فائدته بيان كون الآية خالية عن شوائب الشبه، وأن الاعتراف لزمهم لأنهم لم يقدروا أن يقولوا: نحن نأتي بمثلها وبيان كونهم معرضين لا إعراض معذور، فإن من يعرض إعراض مشغول بأمر مهم فلم ينظر في الآية لا يستقبح منه الإعراض مثل ما يستقبح لمن ينظر فيها إلى آخرها ويعجز عن نسبتها إلى أحد ودعوى الإتيان بمثلها، ثم يقول: هذا ليس بشيء هذا سحر لأن ما من آية إلا ويمكن المعاند أن يقول فيها هذا القول.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ويقولوا} أي على سبيل التجديد منهم والاستمرار: هذا {سحر} أي هذا الذي يأتينا به هذا الرجل من وادي الخيال الذي لا حقيقة له وهو {مستمر} أي لأنه فارق السحر بأنه لا ينكشف في الحال لأنه محكم ثابت دائم بشموله وإحاطته بجميع الأنواع، ولذلك يتأثر عنه غاية الخوارق المتباينة الأنواع الكثيرة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فإن وقوع {آية}، وهو نكرة في سياق الشرط يفيد العموم. وجيء بهذا الخبر في صورة الشرط للدلالة على أن هذا ديدنهم ودأبهم. ووصف {مستمر} يجوز أن يكون مشتقاً من فعل مَرّ الذي هو مجاز في الزوال والسين والتاء للتقوية في الفعل، أي لا يبقى القمر منشقاً. ويجوز أن يكون مشتقاً من المِرة بكسر الميم، أي القوة، والسين والتاء للطلب، أي طلب لفعله مِرّة، أي قوة، أي تمكناً. والمعنى: هذا سحر معروف متكرر، أي معهود منه مثله.