صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

{ أسوة حسنة } خصلة حميدة ، جديرة أن يقتدى بها{ في إبراهيم والذين معه . . . } إذا أعلنوا براءتهم من الكفار ومن آلهتهم التي يعبدونها ، " برءاء " جمع برئ ، يقال : برئ من الأمر يبرأ براء وبراءة وبروءا ، أي تبرأ منه وتفصى لكراهته ، { إلا قول إبراهيم لأبيه . . . } أي اقتدوا به في جميع أموره إلا في الاستغفار لأبيه المشرك ؛ فلا تتأسوا به فيه ، وكان قد استغفر له لموعدة وعدها إياه ؛ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

الأسوة : بضم الهمزة وكسرها : القدوة .

برَآءُ : جمع بريء يعني متبرئين منهم .

بعد أن بيّن للمؤمنين خطر موالاة الكفار ولو كانوا من أقربائهم وأولادهم ، جاء هنا يذكّرهم بما فعل جدُّهم إبراهيم ( فإن قريشَ والعرب عامة يعتقدون أن نسبهم متصلٌ بإبراهيم ) وكيف تبرأ هو والذين هاجروا معه من أهلِهم وقومهم ، وعادوهم ، وتركوا لهم الديار ، فهلاَّ تأسّيتم أيها المؤمنون بهذا النبي العظيم ! ، قد كانت لكم قدوة حسنةٌ تقتدون بها في أبيكم إبراهيمَ والذين معه ، حين قالوا لقومهم : تبرأْنا منكم ، ومن الآلهة التي تعبدونها من دوِن الله ، لا يجمعُنا بكم شيء ، كَفَرْنا بكم ، وظهر بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء التي لا تزول أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده . . . فلا تجاملوهم أيها المسلمون ولا تُبدوا لهم الرأفةَ وتستغفروا لهم .

وأما قولُ إبراهيم لأبيه : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ } فإنما كان عن مَوْعِدَةٍ وعدها إياه ، فلما تبيّن له انه عدوٌ للهِ تبرّأ منه ، كما جاء في سورة التوبة الآية 114 : { وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } .

ثم بين الله كيف ترك إبراهيمُ والذين معه قومهم وأوطانهم والتجأوا إلى الله : { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير } .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

شرح الكلمات :

{ قد كان لكم } : أي أيها المؤمنون .

{ أسوة حسنة } : أي قدوة صالحة .

{ في إبراهيم والذين معه } : من المؤمنين فأتسوا بهم .

{ إذ قالوا لقومهم } : أي المشركين .

{ إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله } : أي نحن متبرئون منكم ، ومن أوثانكم التي تعبدونها .

{ كفرنا بكم } : أي جحدنا بكم فلم نعترف لكم بقرابة ولا ولاء .

{ وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء } : أي ظهر ذلك واضحاً جلياً لا لبس فيه ولا خفاء .

{ حتى تؤمنوا بالله وحده } : أي ستستمر عداوتنا لكم وبغضنا إلى غاية إيمانكم بالله وحده .

{ وإليك أنبنا } : أي رجعنا في أمورنا كلها .

المعنى :

لما حرم تعالى على المؤمنين مولاة الكافرين مع وجود حاجة قد تدعو إلى مولاتهم كما جاء ذلك في اعتذار حاطب بن أبي بلتعة أراد تعالى أن يشجعهم على معاداة الكافرين وعدم موالاتهم بحال من الأحوال لما في ذلك من الضرر والخطر على العقيدة والصلة بالله وهي أعز ما يملك المؤمنون أعلمهم بأنه يُوجد لهم أسوة أي قدوة حسنة في إبراهيم خليله والمؤمنين معه فإنهم على قلتهم وكثرة عدوهم وعلى ضعفه وقوة خصومهم تبرأوا من أعداء الله وتنكروا لأية صلة تربطهم بهم فقالوا ما قص الله تعالى عنهم في قوله { إنَّا بُرءاءُ منكم ومما تعبدون من دون الله } " من أصنام وأوثان " كفرنا بكم فلم نعترف لكم بوجود يقتضي مودتنا ونصرتنا لكم ، وبدا أي ظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء بصورة مكشوفة لا ستار عليها لأننا موحدون وأنتم مشركون ، لأننا مؤمنون وأنتم كافرون ، وسوف تستمر هذه المعاداة وهذه البغضاء بيننا وبينكم حتى تؤمنوا بالله وحده رباً وإلهاً لا رَبًّ غيره ولا إله سواه إذاً فأتسوا أيها المسلمون بإمام الموحدين إبراهيم اللهم إلا ما كان من استغفار إبراهيم لأبيه فلا تأتسوا به ولا تستغفروا لموتاكم المشركين فإن إبراهيم قد ترك ذلك لما علم أن أباه لا يؤمن وأنه يموت كافراً وأنه في النار فقال تعالى إلا قول إبراهيم لأبيه " آزر " لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء أي غير الاستغفار .

وكان هذا عن وعد قطعه له ساعة المفارقة له إذ قال في سورة مريم : { قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيّاً }

وجاء في سورة التوبة قوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياهُ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } وقوله تعالى : { ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا } أي رجعنا من الكفر إلى الإِيمان بك وتوحيدك في عبادتك ، وإليك المصير . أي مصير كل شيء يعود إليك وننتهي عندك فتقضى وتحكم بما تشاء .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب الاقتداء بالصالحين في الائتساء بهم في الصالحات .

- حرمة موالاة الكافرين ووجوب معاداتهم ولو كانوا أقرب قريب .

- كل عداة وبغضاء تنتهي برجوع العبد إلى الإِيمان والتوحيد بعد الكفر والشرك .

- لا يجوز الاقتداء في غير الحق والمعروف فإذا أخطأ العبد الصالح فلا يتابع على الخطأ .

- وجوب تقوية المؤمنين بكل أسباب القوة لأمرين الأول خشية أن يغلبهم الكافرون فيفتنوهم في دينهم ويردوهم إلى الكفر والثاني حتى لا يظن الكافرون الغالبون أنهم على حق بسبب ظهورهم على المسلمين فيزدادوا كفراً فيكون المسلمون سبباً في ذلك فيأثمون للسببية في ذلك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

قوله تعالى : { قد كانت لكم أسوة } قدوة ، { حسنة في إبراهيم والذين معه } من أهل الإيمان { إذ قالوا لقومهم } من المشركين ، { إنا براء منكم } جمع بريء ، { ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم } جحدنا وأنكرنا دينكم ، { وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده } يأمر حاطباً والمؤمنين بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والذين معه من المؤمنين في التبرؤ من المشركين ، { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } أي : لكم أسوة حسنة في إبراهيم وأموره إلا في استغفاره لأبيه المشرك ، فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان قد قال لأبيه : لأستغفرن لك ، ثم تبرأ منه -على ما ذكرناه في سورة التوبة- { وما أملك لك من الله من شيء } يقول إبراهيم عليه السلام لأبيه : ما أغنى عنك ولا أدفع عنك عذاب الله إن عصيته وأشركت به ، { ربنا عليك توكلنا } ، يقوله إبراهيم ومن معه من المؤمنين ، { وإليك أنبنا وإليك المصير } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} من المؤمنين، {إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله} من الآلهة، {كفرنا بكم} يقول تبرأنا منكم {وبدا} يعني وظهر {بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} يعني تصدقوا بالله وحده، {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك}، يقول الله: تبرموا من كفار قومكم فقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه من المؤمنين في البراءة من قومهم وليس لكم أسوة حسنة في الاستغفار للمشركين، يقول إبراهيم: لأستغفرن لك، وإنما كانت موعده وعدها أبو إبراهيم إياه أنه يؤمن فلما تبين له عند موته أنه عد الله تبرأ منه حين مات على الشرك، وحجب عنه الاستغفار.

ثم قال إبراهيم: {وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان لكم أيها المؤمنون أُسوة حسنة: يقول: قدوة حسنة في إبراهيم خليل الرحمن، تقتدون به، والذين معه من أنبياء الله...

وقوله: {إذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إنّا بُرآءُ مِنْكُمْ وَمِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ} يقول: حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله، وعبدوا الطاغوت: أيها القوم إنا برآء منكم، ومن الذين تعبدون من دون الله من الاَلهة والأنداد.

وقوله: {كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ العَدَاوَةُ والبَغْضَاءُ أبَدا حتى تُؤمِنُوا باللّهِ وَحْدَهُ} يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل أنبيائه لقومهم الكفرة: كفرنا بكم، أنكرنا ما كنتم عليه من الكفر بالله وجحدنا عبادتكم ما تعبدون من دون الله أن تكون حقا، وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا على كفركم بالله، وعبادتكم ما سواه، ولا صلح بيننا ولا هوادة، حتى تؤمنوا بالله وحده، يقول: حتى تصدّقوا بالله وحده، فتوحدوه، وتفردوه بالعبادة.

وقوله: {إلاّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنّ لَكَ وَما أمْلِكُ لَكَ مِنْ الله مِنْ شَيْءٍ} يقول تعالى ذكره: قد كانت لكم أُسوة حسنة في إبراهيم والذين معه في هذه الأمور التي ذكرناها من مباينة الكفار ومعاداتهم، وترك موالاتهم إلا في قول إبراهيم لأبيه لأَسْتَغْفِرَنّ لَكَ فإنه لا أسوة لكم فيه في ذلك، لأن ذلك كان من إبراهيم لأبيه عن موعدة وعدها إياه قبل أن يتبين له أنه عدوّ الله، فلما تبين له أنه عدّو لله تبرأ منه. يقول تعالى ذكره: فكذلك أنتم أيها المؤمنون بالله، فتبرّؤوا من أعداء الله من المشركين به ولا تتخذوا منهم أولياء يؤمنوا بالله وحده ويتبرّؤوا عن عبادة ما سواه وأظهروا لهم العداوة والبغضاء...

ويعني بقوله: {وَما أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ} يقول: وما أدفع عنك من الله من عقوبة، إن الله عاقبك على كفرك به، ولا أُغُنِي عنك منه شيئا.

وقوله: {رَبّنا عَلَيْكَ تَوَكّلْنا} يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل إبراهيم وأنبيائه صلوات الله عليهم: {رَبّنَا عَلَيْكَ تَوَكّلْنا وَإلَيْكَ أنْبْنا} يعني: وإليك رجعنا بالتوبة مما تكره إلى ما تحبّ وترضى، {وَإلَيْكَ المَصِيرُ} يقول: وإليك مصيرنا ومرجعنا يوم تبعثنا من قبورنا، وتحشرنا في القيامة إلى موقف العَرْض.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الأصل في أنباء المتقدمين أنها عبر لهذه الأمة. فما ذكر منها في المؤمنين من الأمم الماضية فهو تخويف لكفرة هذه الأمة لئلا يصنعوا مثل صنيعهم، فيستوجبوا من النقمة مثل ما استوجب أولئك. وما كان منها في حق الرسل صلى الله عليه وسلم فهو في حق التسلي لرسولنا وسيدنا صلى الله عليه وسلم عن بعض ما مسه...

فكأنه قال: اقتدوا بهم إلا بما قال إبراهيم لأبيه: {لأستغفرن لك} يعني لا تستغفروا للمشركين مثل ما استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك، لأنكم لا تعلمون المعنى الذي له استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه. ثم اختلفوا في المعنى الذي له استغفر إبراهيم لأبيه، فقال أبو بكر: إنه كان، صلوات الله عليه، وعد أن يستغفر لأبيه، ورأى أن إيجاب الوعد لازم عليه، فاستغفر لهذا المعنى. [وقال] الحسن: إنه إنما استغفر له لوقت توبته لا في حال الشرك، لأنه لا يتوهم أنه [لم يعلم أنه] لا يحل له أن يستغفر للمشركين. وعلم أنه يحل له لم يكن مسلما مؤمنا فثبت أنه إنما استغفر لوقت إسلامه. وعندنا الاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى على وجهين: أحدهما: مغفرة رحمة وفضل وكرم. والثاني: أن يوفقه للسبب الذي إذا جاء به غفر له. ألا ترى إلى قوله: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا}؟ [نوح: 10] أي السبب الذي إذا جئتم به غفر لكم. وإذا كان كذلك جاز أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه على هذا الوجه: أن يكون طلب من الله تعالى التوفيق له بالسبب الذي إذا جاء به غفر له، وذلك مستقيم، ولكنه لما تبين أنه لا يوفقه لذلك السبب تبرأ منه...

{وما أملك لك من الله من شيء} أي لا أملك أن أدفع عنك عذاب الله من شيء، أو لا أملك أن أهديك دون أن يهديك الله...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

والفائدةُ في هذه الآية تخفيفُ الأمر على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بتعريفهم أنَّ مَنْ كانوا قبلهم حين كَذَّبوا بأنبيائهم أهلكهم الله، وأنهم صبروا، وأنه ينبغي لذلك أن يكونَ بالصبرِ أمرُهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ومعنى {كَفَرْنَا بِكُمْ} وبما تعبدون من دون الله: أنا لا نعتدّ بشأنكم ولا بشأن آلهتكم، وما أنتم عندنا على شيء. قوله {لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شيء} كأنه قال: أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار. ويجوز أن يكون المعنى: قولوا ربنا، أمراً من الله تعالى للمؤمنين بأن يقولوه، وتعليماً منه لهم تتميماً لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار، والائتساء بإبراهيم وقومه في البراءة منهم، وتنبيهاً على الإنابة إلى الله والاستعاذة به من فتنة أهل الكفر، والاستغفار مما فرط منهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{قد كانت} أي وجدت وجوداً تاماً، وكان تأنيث الفعل إشارة إلى الرضا بها ولو كانت على أدنى الوجوه {لكم} أي أيها المؤمنون {أسوة} أي موضع اقتداء وتأسية وتسنن وتشرع وطريقة مرضية {حسنة} يرغب فيها {في إبراهيم} أي في قول أبي الأنبياء {والذين معه} أي ممن كانوا قبله من الأنبياء...

{إنا} أي من غير وقفة ولا شك {برآء} أي متبرئون تبرئة عظيمة {منكم} وإن كنتم أقرب الناس إلينا ولا ناصر لنا منهم غيركم. ولما تبرؤوا منهم أتبعوه ما هو أعظم عندهم منهم وهو سبب العداوة فقالوا: {ومما تعبدون} أي توجدون عبادته في وقت من الأوقات الماضية المفيد التعبير عنها بالمضارع تصوير الحال أو الحاضرة أو الآتية كائناً من كان لا يخاف شيئاً من ذلك لأن إلهنا الذي قاطعنا كل شيء في الانقطاع إليه لا يقاويه شيء، ولا تقدرون أنتم مع إشراككم به على البراءة منه...

. {من دون الله} أي الملك الأعظم الذي هو كاف لكل مسلم. ولما كانت البراءة على أنحاء كثيرة، بينوا أنها براءة الدين الجامعة لكل براءة فقالوا: {كفرنا بكم} أي أوجدنا الستر لكل ما ينبغي ستره حال كوننا مكذبين بكل ما يكون من جهتكم من دين وغيره الذي يلزم منه الإيمان، وهو إيقاع الأمان من التكذيب لمن يخبرنا بسبب كل ما يضاده مصدقين بذلك...

{وبدا} أي ظهر ظهوراً عظيماً، وعلى عظمتها بالدلالة بنزع الخافض على أنها شاحنة لجميع البينين فقال: {بيننا وبينكم} أي في جمع الحد الفاصل بين كل واحد منا وكل واحد منكم {العداوة} وهي المباينة في الأفعال بأن يعدو كل على الآخر ولا يكون ذلك إلا عندما يستخف الغيظ الإنسان لإرادة أن يشفي صدره من شدة ما حصل له من حرارة الخنق. فالعداوة بما تمتد فتكون مالئة لظرفها ولما كان ذلك قد يكون لغير البغض بل لتأديب ونحوه قالوا: {والبغضاء} أي وهي المباينة بالقلوب بالبغض العظيم. ولما كان ذلك قد يكون سريع الزوال قالوا: {أبداً} ولما كان ذلك مرئياً من صلاح الحال، وكان قد يكون لحظ نفس بينوا غايته على وجه عرفت به علته بقولهم: {حتى تؤمنوا} أي توقعوا الأمان من التكذيب لمن أمركم بالإيمان وأخبركم عن الرحمان، حال كونكم مصدقين ومعترفين {بالله} أي الملك الذي له الكمال كله. ولما كانوا يؤمنون به مع الإشراك قالوا: {وحده} أي تكونوا مكذبين بكل ما يعبد من دونه. ولما حث سبحانه المخاطبين على التأسي بقول إبراهيم ومن معه في الوقت عليهم السلام استثنى منه فقال تأنيساً لمن نزلت القصة بسببه واستعطافاً له وهو حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه: {إلا قول إبراهيم} أي فلا تأسي لكم به {لأبيه} واعداً له قبل أن يبين له أنه ثابت العداوة لله تعالى لكونه مطبوعاً على قلبه، فلا صلاح له، يقال: إن أباه وعده أنه يؤمن فاستغفر له، فلما تبين له، أنه لا يؤمن تبرأ منه: {لأستغفرن} أي لأوجدن طلب الغفران من الله {لك} فإن هذا الاستغفار لكافر، فلا ينبغي لهم أن يتأسوا به فيه مطلقاً غير ناظرين إلى علم أنه مطبوع على قلبه أو في حيز الرجوع.ولما وعده بالاستغفار ترغيباً له، رهبه لئلا يترك السعي في النجاة بما معناه أنه ليس في يدي غير الاستغفار، فقال: {وما أملك لك} أي لكونك كافراً {من الله} أي لأنه الملك الأعلى المحيط بنعوت الجلال، وأعرق في النفي بقوله: {من شيء} والاستثناء وقع على هذا القول بقيد الاجتماع...

{ربنا} أي أيها المحسن إلينا بتخليصك لنا من الهلاك باتباعهم {عليك} أي لا على غيرك {توكلنا} أي فعلنا في جميع أمورنا معك فعل من يحملها على قوى ليكفيه أمرها لأنا نعلم أنك تكفي إذا شئت كل ملم، وأنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت...

. {وإليك} أي وحدك لا إلى غيرك {أنبنا} أي رجعنا بجميع ظواهرنا وبواطننا.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم تأتي الجولة الثالثة فتصل المسلمين بأول هذه الأمة الواحدة: أمة التوحيد...

.إنها الأمة الممتدة منذ إبراهيم. أبيهم الأول وصاحب الحنيفية الأولى. وفيه أسوة لا في العقيدة وحدها، بل كذلك في السيرة، وفي التجارب التي عاناها مع عاطفة القرابة ووشائجها ....

... مر إبراهيم والذين معه بالتجربة التي يعانيها المسلمون المهاجرون. وفيهم أسوة حسنة: (إذ قالوا لقومهم: إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده).. فهي البراءة من القوم ومعبوداتهم وعباداتهم. وهو الكفر بهم والإيمان بالله. وهي العداوة والبغضاء لا تنقطع حتى يؤمن القوم بالله وحده. وهي المفاصلة الحاسمة الجازمة التي لا تستبقي شيئا من الوشائج والأواصر بعد انقطاع وشيجة العقيدة وآصرة الإيمان. وفي هذا فصل الخطاب في مثل هذه التجربة التي يمر بها المؤمن في أي جيل...

فجاء القرآن ليشرح لهم حقيقة موقف إبراهيم في قوله لأبيه: (لأستغفرن لك).. فلقد قال هذا قبل أن يستيقن من إصرار أبيه على الشرك. قاله وهو يرجو إيمانه ويتوقعه: (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه).. كما جاء في سورة أخرى. ويثبت هنا أن إبراهيم فوض الأمر كله لله، وتوجه إليه بالتوكل والإنابة والرجوع إليه على كل حال: (وما أملك لك من الله من شيء. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير).. وهذا التسليم المطلق لله، هو السمة الإيمانية الواضحة في إبراهيم يبرزها هنا ليوجه إليها قلوب أبنائه المسلمين. كحلقة من حلقات التربية والتوجيه بالقصص والتعقيب عليه، وإبراز ما في ثناياه من ملامح وسمات وتوجيهات على طريقة القرآن الكريم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

صدر هذه الآية يفيد تأكيداً لمضمون جملة {إن يثقفوكم} [الممتحنة: 2] وجملة {لن تنفعكم أرحامكم} [الممتحنة: 3]، لأنها بما تضمنته من أن الموجه إليهم التوبيخ خالفوا الأسوةَ الحسنة تقوي إثبات الخطأ المستوجب للتوبيخ. ذلك أنه بعد الفراغ من بيان خطأ من يوالي عدوَّ الله بما يجرّ إلى أصحابه من مضارّ في الدنيا وفي الآخرة تحذيراً لهم من ذلك، انتقل إلى تمثيل الحالة الصالحة بمثال من فعل أهل الإِيمان الصادق والاستقامة القويمة وناهيك بها أسوة.وافتتاح الكلام بكلمتي {قد كانت} لتأكيد الخبر، فإن {قد} مع فعل الكون يراد بهما التعريض بالإِنكار على المخاطب ولومه في الإِعراض عن العمل بما تضمنه...

. {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب: 21]. وعُطف {والذين معه} ليتم التمثيل لحال المسلمين مع رسولهم صلى الله عليه وسلم بحال إبراهيم عليه السلام والذين معه، أي أن يكون المسلمون تابعين لرضى رسولهم صلى الله عليه وسلم كما كان الذين مع إبراهيم عليه السلام. وحرف {في} مستعار لقوة الملابسة إذ جعل تلبس إبراهيم والذين معه بكونهم أسوة حسنة، بمنزلة تلبس الظرف بالمظروف في شدة التمكن من الوصف. و {العداوة} المعاملة بالسوء والاعتداءِ. و {البغضاء}: نفرة النفس، والكراهيةُ وقد تطلق إحداهما في موضع الأخرى إذا افترقتا، فذِكرهما معاً هنا مقصود به حصول الحالتين في أنفسهم: حالة المعاملة بالعدوان، وحالة النفرة والكراهية، أي نُسِيءُ معاملتكم ونُضمر لكم الكراهية حتى تؤمنوا بالله وحده دون إشراك. فالمؤتَسَى به أنهم كاشفوا قومهم بالمنافرة، وصرحوا لهم بالبغضاء لأجل كفرهم بالله ولم يصانعوهم ويغضُّوا عن كفرهم لاكتساب مودتهم كما فعل الموبخ بهذه الآية. وتقديم المجرور على هذه الأفعال لإِفادة القصر، وهو قصر بعضه ادعائي وبعضه حقيقي كما تصرف إليه القرينة. وإعادة النداء بقولهم: {ربنا} إظهار للتضرع مع كل دعوة من الدعوات الثلاث.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

ثم أمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بأصحاب ابراهيم عليه السلام فقال { قد كانت لكم أسوة حسنة } ائتمام واقتداء وطريقة حسنة { في إبراهيم والذين معه } من أصحابه اذ تبرؤوا من قومهم الكفار وعادوهم وقالوا لهم { كفرنا بكم } أي أنكرناكم وقطعنا محبتكم وقوله :{ إلا قول إبراهيم لأبيه } أي كانت لكم أسوة فيهم ما خلا هذا فانه لا يجوز الاستغفار للمشركين ثم 5 9 أخبر أنهم قالوا يعني قوم إبراهيم { ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

ولما أبلغ سبحانه في وعظهم في ذلك ، وكانت عادته التربية بالماضين ، كان موضع توقع ذلك فقال معبراً بأداة التوقع : { قد كانت } أي وجدت وجوداً تاماً ، وكان تأنيث الفعل إشارة إلى الرضا بها ولو كانت على أدنى الوجوه { لكم } أي أيها{[64470]} المؤمنون { أسوة } أي موضع اقتداء وتأسية وتسنن وتشرع وطريقة مرضية { حسنة } يرغب فيها { في إبراهيم } أي في قول أبي الأنبياء { والذين معه } أي ممن{[64471]} كانوا قبله من الأنبياء ، قال القشيري : وممن آمن به في زمانه كابن أخيه لوط عليهما الصلاة والسلام وهم قدوة أهل الجهاد والهجرة { إذ } أي حين { قالوا } وقد كان من آمن به أقل منكم وأضعف { لقومهم } الكفرة ، وقد كانوا{[64472]} أكثر من عدوكم وأقوى وكان لهم{[64473]} فيهم أرحام وقرابات ولهم فيهم رجاء بالقيام والمحاولات .

ولما كان ما ذكر من ضعفهم وقوة قومهم مبعداً لأن يبارزوهم ، أكدوا قولهم فقالوا : { إنا{[64474]} } أي من غير وقفة ولا شك { برءاء } أي متبرئون تبرئة عظيمة { منكم } وإن كنتم أقرب الناس إلينا ولا ناصر لنا منهم غيركم . ولما تبرؤوا منهم أتبعوه ما هو أعظم عندهم منهم وهو سبب العداوة فقالوا : { ومما تعبدون } أي توجدون عبادته في وقت من الأوقات الماضية المفيد{[64475]} التعبير عنها{[64476]} بالمضارع تصوير الحال أو{[64477]} الحاضرة أو الآتية كائناً من كان لا يخاف شيئاً من ذلك لأن إلهنا الذي قاطعنا كل شيء في الانقطاع إليه لا يقاويه شيء ، ولا تقدرون أنتم مع إشراككم به على البراءة منه .

ولما كانوا مشركين قالوا مستثنين ومبينين لسفول كل شيء عن متعالي مرتبة معبودهم : { من دون الله } أي الملك الأعظم{[64478]} الذي هو كاف لكل مسلم{[64479]} . ولما كانت البراءة على أنحاء كثيرة ، بينوا أنها براءة الدين الجامعة لكل براءة فقالوا : { كفرنا بكم } أي أوجدنا الستر لكل ما ينبغي ستره حال كوننا مكذبين بكل ما يكون من جهتكم من دين وغيره الذي يلزم منه الإيمان ، وهو إيقاع الأمان من التكذيب لمن يخبرنا بسبب كل ما يضاده مصدقين بذلك{[64480]} . ولما كان المؤمن على جبلة مضادة لجبلة الكافر ، عبر بما يفهم أن{[64481]} العداوة كانت موجودة{[64482]} ولكنها كانت مستورة ، فقال دالاً على قوتها بتذكير الفعل : { وبدا } أي ظهر ظهوراً عظيماً ، وعلى عظمتها بالدلالة بنزع الخافض على أنها شاحنة لجميع البينين فقال : { بيننا وبينكم } أي في جمع الحد{[64483]} الفاصل بين كل واحد منا وكل واحد منكم { العداوة } وهي المباينة في الأفعال بأن يعدو كل على{[64484]} الآخر ولا يكون ذلك{[64485]} إلا عندما يستخف{[64486]} الغيظ{[64487]} الإنسان لإرادة أن يشفي صدره من شدة ما حصل له من حرارة الخنق . فالعداوة بما{[64488]} تمتد فتكون مالئة لظرفها ، قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في تلويحه{[64489]} على توضيح صدر الشريعة في أوائله في علاقات المجاز : الفعل المنسوب إلى ظرف الزمان بواسطة تقدير{[64490]} " في " دون ذكره يقتضي كون الظرف معياراً له {[64491]}غير زائد عليه مثل صمت الشهر ، يدل على صوم جميع أيامه بخلاف صمت في الشهر ، فإذا امتد الفعل الظرف ليكون معياراً{[64492]} له{[64493]} فيصح حمل اليوم{[64494]} - في نحو صرت يوم كذا{[64495]} - على حقيقته ، وهو ما يمتد من الطلوع إلى الغروب ، وإذا لم يمتد الفعل - يعني مثل وقوع الطلاق - لم يمتد الظرف ، لأن الممتد لا يكون معياراً لغير الممتد فحينئذ{[64496]} لا يصح حمل اليوم على النهار الممتد بل يجب أن يكون مجازاً{[64497]} عن جزء من الزمان الذي لا يعتبر في الغرف ممتداً ، وهو الآن سواء كان من النهار أو من الليل بدليل قوله تعالى :

( ومن يولهم يومئذ دبره }[ الأنفال : 16 ] فإن التولي عن الزحف حرام ليلاً كان أو نهاراً ولأن مطلق الآن جزء من الآن اليومي وهو جزء من اليوم ، فيكون مطلق الآن جزءاً من اليوم ، فتحقق العلاقة .

ولما كان ذلك قد يكون لغير البغض بل لتأديب ونحوه قالوا : { والبغضاء } أي وهي المباينة بالقلوب بالبغض العظيم . ولما كان ذلك قد يكون سريع الزوال قالوا : { أبداً } ولما كان ذلك مرئياً من صلاح الحال ، وكان قد يكون{[64498]} لحظ نفس بينوا غايته على وجه عرفت به علته{[64499]} بقولهم : { حتى تؤمنوا } أي توقعوا الأمان من التكذيب لمن أمركم بالإيمان وأخبركم عن الرحمان ، حال كونكم مصدقين ومعترفين { بالله } أي الملك الذي له الكمال كله . ولما كانوا يؤمنون به مع الإشراك قالوا : { وحده } أي تكونوا مكذبين بكل ما يعبد من دونه .

ولما حث سبحانه المخاطبين على التأسي بقول إبراهيم ومن معه في الوقت عليهم السلام استثنى منه فقال تأنيساً لمن نزلت القصة{[64500]} بسببه واستعطافاً له{[64501]} وهو حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه : { إلا قول إبراهيم } أي فلا تأسي لكم به { لأبيه } واعداً له قبل أن يبين له أنه ثابت العداوة لله تعالى لكونه مطبوعاً على قلبه ، فلا صلاح له ، يقال : إن أباه وعده أنه يؤمن فاستغفر له ، فلما تبين له ، أنه لا يؤمن تبرأ منه : { لأستغفرن } أي لأوجدن طلب الغفران من الله { لك } فإن هذا الاستغفار لكافر ، فلا ينبغي لهم أن يتأسوا به فيه مطلقاً غير ناظرين إلى علم أنه مطبوع على قلبه أو في حيز{[64502]} الرجوع .

ولما وعده بالاستغفار ترغيباً له ، رهبه لئلا يترك السعي في النجاة بما معناه أنه ليس في يدي غير الاستغفار ، فقال : { وما أملك لك } أي لكونك كافراً { من الله } أي لأنه الملك{[64503]} الأعلى المحيط بنعوت{[64504]} الجلال ، وأعرق في النفي بقوله : { من شيء } والاستثناء وقع على{[64505]} هذا القول بقيد الاجتماع ، ولا يلزم منه التعرض للأجزاء ، فلا تكون هذه الجملة على حيالها مستثناة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نادى :

" واصباحاه حين{[64506]} أنزل الله سبحانه وتعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } كان يقول لكل من سماه : لا أملك لك{[64507]} من الله شيئاً ، حتى قال في آخر ذلك : يا فاطمة بنت محمد ! سليني من مالي{[64508]} ما شئت لا أغن عنك من الله شيئاً " .

ولما حثهم على التأسي بقول الخلص ، وقدم منه{[64509]} المحافاة لأنها المقصودة ، واستثنى ما لا ينبغي التأسي فيه اعتراضاً به بين أجزاء مقالهم بياناً للاهتمام به للتنفير منه{[64510]} من قوله ، أتم ما يؤيسي{[64511]} فيه فقال مبيناً أنهم ما أقدموا على مجافاتهم{[64512]} بما قال إلا وقد قرروا جميع ما يقولونه ورضوا به دون موادتهم وانقطعوا إلى الله وحده انقطاعاً تاماً يفعل بهم ما يشاء من تسليطهم عليهم أو حمايتهم منهم ، لكنهم سألوا الحماية لا لذاتها ولا لأنفسهم بل لئلا يزيد ذلك{[64513]} أعداءهم ضلالاً{[64514]} { ربنا } أي أيها المحسن إلينا بتخليصك لنا من الهلاك باتباعهم { عليك } أي لا على غيرك { توكلنا } أي فعلنا في جميع{[64515]} أمورنا معك{[64516]} فعل من يحملها على قوى ليكفيه أمرها لأنا نعلم أنك تكفي إذا شئت كل ملم{[64517]} ، وأنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت وقد عادينا{[64518]} فيك قوماً عتاة أقوياء ونحن ضعفاء ، ورضينا بكل ما يحصل لنا منهم غير أن عافيتك هي أوسع لنا .

ولما كان الذي ينبغي لكل أحد وإن كان محسناً أن يعد نفسه مقصراً شارداً عن ربه لأنه لعظم جلاله لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره ، وأن يعزم على الاجتهاد في العبادة قالوا مخبرين بذلك عادين ذلك العزم رجوعاً : { وإليك } أي وحدك {[64519]}لا إلى غيرك{[64520]} { أنبنا } أي رجعنا بجميع ظواهرنا وبواطننا . ولما كان المعنى تعليلاً : فإنه منك المبدأ ، عطف عليه قوله : { وإليك } أي وحدك { المصير * } .


[64470]:- زيد من ظ و م.
[64471]:- زيد من ظ وم.
[64472]:- من ظ وم، وفي الأصل: كان.
[64473]:- من ظ وم، وفي الأصل: لكم.
[64474]:- ورد في الأصل بعد "لا شك" والترتيب من ظ وم.
[64475]:- من ظ وم، وفي الأصل: المفيدة.
[64476]:- زيد من ظ وم.
[64477]:- من ظ وم، وفي الأصل: و.
[64478]:- زيد في الأصل وظ: أي، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[64479]:- من ظ وم، وفي الأصل: منكم.
[64480]:- في م: بتلك المضاد.
[64481]:- زيد من ظ وم.
[64482]:- زيد من ظ وم.
[64483]:- من ظ، وفي الأصل وم: جد.
[64484]:- زيد من ظ وم.
[64485]:- زيد من ظ وم.
[64486]:- زيد من ظ وم.
[64487]:- من ظ وم، وفي الأصل: انضبط.
[64488]:- من ظ وم، وفي الأصل: بما.
[64489]:- ص" 219.
[64490]:- من ظ وم، وفي الأصل: تقديره.
[64491]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[64492]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[64493]:-من ظ وم، وفي الأصل: يوم.
[64494]:-زيد من ظ وم.
[64495]:- زيد في الأصل: أو، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64496]:- من ظ وم، وفي الأصل: وحينئذ.
[64497]:- زيد من ظ وم.
[64498]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يكون.
[64499]:-من ظ وم، وفي الأصل: عليه.
[64500]:- في م: القضية.
[64501]:- زيد من ظ وم.
[64502]:- من ظ وم، وفي الأصل: عصير.
[64503]:- من ظ وم، وفي الأصل: المالك.
[64504]:- من ظ وم، وفي الأصل: ثبوت.
[64505]:- زيد من م.
[64506]:- من ظ وم، وفي الأصل: لما.
[64507]:- سقط من ظ.
[64508]:-من ظ وم، وفي الأصل: مالك.
[64509]:- زيد من ظ وم.
[64510]:- من ظ وم، وفي الأصل: به.
[64511]:- زيد في الأصل: به، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64512]:- من ظ وم، وفي الأصل: محافهم.
[64513]:- زيد من ظ وم.
[64514]:- من ظ وم، وفي الأصل: هلاكا.
[64515]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأمور مع.
[64516]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأمور مع.
[64517]:- من ظ وم، وفي الأصل: مسلم.
[64518]:- من ظ وم، وفي الأصل: عاديناك.
[64519]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64520]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.