بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

قوله عز وجل : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إبراهيم } يعني : هلا فعلتم كما فعل إبراهيم ، تبرأ من أبيه لأجل كفره ؟ ويقال : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } يعني : قدوة حسنة وسنة صالحة في إبراهيم فاقتدوا به . { والذين مَعَهُ } يعني : من كان مع إبراهيم من المؤمنين . { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ } أي : لمن كفر من قومهم : { إنا بَرَاء مّنكُمْ } يعني : من دينكم ، { وَمِمَّا تَعْبُدُونَ } يعني : برآء مما تعبدون { مِن دُونِ الله } من الآلهة . { كَفَرْنَا بِكُمْ } يعني : تبرأنا منكم . قرأ عاصم { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } بضم الألف ، والباقون بالكسر ، وهما لغتان إسوة وأُسوة وهما بمعنى الاقتداء .

ثم قال : { وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء أَبَداً حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ } يعني : حتى تصدقوا بالله وحده ، فأعلم الله تعالى أن أصحاب إبراهيم تبرؤوا من قومهم ، وعادوهم ، لأجل كفرهم ، فأمر الله تعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدوا بهم . ثم قال : { إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم } ، يعني : اقتدوا بهم إلا قول إبراهيم { لأبِيهِ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } يعني : لأدعون لك أن يهديك الله ويكون على هذا التفسير إلا بمعنى لكن قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك يعني : لأدعون لك أن يهديك الله يعني : إبراهيم تبرأ من قومه ، لكنه يدعو لأبيه بالهدى . ثم قال : { وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيء } يعني : ما أقدر أن أمنعك من عذاب الله من شيء ، إن لم تؤمن .

ثم علَّمهم ما يقولون ، فقال : قولوا { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } يعني : فوَّضنا أمرنا إليك وأمر أهالينا ، { وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا } يعني : أقبلنا إليك بالطاعة ؛ { وَإِلَيْكَ المصير } يعني : المرجع في الآخرة .