تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براءوا منكم ومما تعبدون من دون الله } الآية ، الأصل في أنباء المتقدمين أنها عبر لهذه الأمة . فما ذكر منها في المؤمنين من الأمم الماضية فهو تخويف لكفرة هذه الأمة لئلا يصنعوا مثل صنيعهم ، فيستوجبوا من النقمة مثل ما استوجب أولئك . وما كان منها في حق الرسل صلى الله عليه وسلم فهو في حق التسلي لرسولنا وسيدنا صلى الله عليه وسلم عن بعض ما مسه .

وأصل آخر : أن الخطاب قد يلزم المخاطب مرة بما يخاطب في نفسه ومرة بما يؤمر بالاقتداء بغيره ، وإذا كان ذلك الغير ، لم يفعل ما فعله إلا عن أمر .

ثم إن الله تعالى أمر المؤمنين من هذه الأمة الاقتداء بإبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين وأخبرهم عن معاملتهم إياهم وتركهم موالاتهم ، فكأنه قال : اتركوا موالاة الكفرة والإسرار إليهم بالمودة ما داموا على كفرهم كما فعله إبراهيم عليه السلام { إذ قالوا لقومهم إنا براءوا منكم ومما تعبدون } فنابذوهم ، ولم يوالوهم . فافعلوا كفعلهم { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } .

فكأنه قال {[21034]} : اقتدوا بهم إلا بما قال إبراهيم لأبيه : { لأستغفرن لك } يعني لا تستغفروا للمشركين مثل ما استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك ، لأنكم لا تعلمون المعنى الذي له استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه .

ثم اختلفوا في المعنى الذي له استغفر إبراهيم لأبيه ، فقال أبو بكر : إنه كان ، صلوات الله عليه ، وعد أن يستغفر لأبيه ، ورأى أن إيجاب الوعد لازم عليه ، فاستغفر لهذا المعنى .

[ وقال ] {[21035]}الحسن : إنه إنما استغفر له لوقت توبته لا في حال الشرك ، لأنه لا يتوهم أنه [ لم يعلم أنه ]{[21036]} لا يحل له أن يستغفر للمشركين . وعلم أنه يحل له لم يكن مسلما مؤمنا فثبت أنه إنما استغفر لوقت إسلامه .

وعندنا الاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى على وجهين :

أحدهما : مغفرة رحمة وفضل وكرم .

والثاني : أن يوفقه للسبب الذي إذا جاء به غفر له . ألا ترى إلى قوله : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } ؟ [ نوح : 10 ]أي السبب الذي إذا جئتم به غفر لكم . وإذا كان كذلك جاز أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه على هذا الوجه : أن يكون طلب من الله تعالى التوفيق له بالسبب الذي إذا جاء به غفر له ، وذلك مستقيم ، ولكنه لما تبين أنه لا يوفقه لذلك السبب تبرأ منه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما أملك لك من الله من شيء } أي لا أملك أن أدفع عنك عذاب الله من شيء ، أو لا أملك أن أهديك دون أن يهديك الله .

[ ألا ترى على قوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } ؟ القصص : 56 ] ]{[21037]} وكأنه قال : سواء أن أدعو لك بالتوفيق للهداية [ أم ألا أدعو لك ] {[21038]} لا أملك لك من عذاب الله من شيء .

وقوله تعالى : { ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا } يجوز أن يكون هذا عند المنابذة وإظهار العداوة مع الكفرة ، يعني عليك معتمدنا في النصر على أعدائنا عند قلة عددنا وكثرة عددهم ، وإليك مرجعنا ومفزعنا ، { وإليك المصير }إذا قبضنا .


[21034]:في الأصل و م: قالوا.
[21035]:من م، ساقطة من الأصل.
[21036]:من م، ساقطة من الأصل.
[21037]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م
[21038]:ساقطة من الأصل و م.