الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

وقوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ } أي : قدوة { في إبراهيم } : الخليل { والذين مَعَهُ } : قيل : مَنْ آمن به مِنَ الناس ، وقال الطبريُّ وغيره : { والذين مَعَهُ } : هم الأنبياء المعاصرون له أو قريباً من عصره ، قال ( ع ) : وهذا أرجح ؛ لأَنَّهُ لم يُرْوَ أَنَّ لإبراهيم أتباعاً مؤمنين في وقتِ مكافحته نمروداً ، وفي البخاريِّ : أنه قال لسارةَ حين رحل بها إلى الشام مهاجراً من بلد النمرود : ما على الأرض مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ غيري وغيرُك ، وهذه الأُسْوَةُ مُقَيَّدَةٌ في التبري من المشركين وإشراكهم ، وهو مُطَّرِدٌ في كل مِلَّةٍ ، وفي نبينا مُحَمَّدٍ عليه السلام أسوةٌ حسنةٌ على الإطلاق في العقائد وفي أحكام الشرع كُلِّها .

وقوله : { كَفَرْنَا بِكُمْ } أي : كذبناكم في عبادتكم الأصنامَ .

وقوله : { إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَبِيهِ } يعني : تأسوا بإبراهيم ، إلاَّ في استغفاره لأبيه ، فلا تتأسوا به فتستغفروا للمشركين ، لأَنَّ استغفاره إنَّما كانَ عَنْ موعدةِ وعدها إيَّاهُ ؛ وهذا تأويل قتادة ، ومجاهد ، وعطاءِ الخُرَاسَانِيِّ وغيرهم .

وقوله : { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } إلى قوله : { أَنتَ العزيز الحكيم } هو حكاية عن قول إبراهيم والذين معه ، وهذه الألفاظ بَيِّنَةٌ مِمَّا تقدم في آي القرآن .