{ ومن معي } : أي من المؤمنين .
{ فمن يجير الكافرين } : أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب .
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى لرسوله قل لهؤلاء المشركين الذين تمنوا موتك وقالوا نتربص به ريب المنون قل لهم { أرأيتم } أي أخبروني { إن أهلكني الله ومن معي } من المؤمنين ، { أو رحمنا } فلم يهلكنا بعذاب { فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ؟ } والجواب : لا أحد إذاً فماذا تنتفعون بهلاكنا .
- بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنوا موته .
ولما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ، [ الذين ] يردون دعوته ، ينتظرون هلاكه ، ويتربصون به ريب المنون ، أمره الله أن يقول لهم : أنتم{[1184]} وإن حصلت لكم أمانيكم{[1185]} وأهلكني الله ومن معي ، فليس ذلك بنافع لكم شيئًا ، لأنكم كفرتم بآيات الله ، واستحققتم العذاب ، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتم وقوعه بكم ؟ فإذًا ، تعبكم وحرصكم على هلاكي غير مفيد ولا مجد لكم شيئًا . ومن قولهم ، إنهم على هدى ، والرسول على ضلال ، أعادوا في ذلك وأبدوا ، وجادلوا عليه وقاتلوا ،
قوله تعالى : " قل أرأيتم إن أهلكني الله " أي{[15207]} قل لهم يا محمد - يريد مشركي مكة ، وكانوا يتمنون موت محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون{[15208]} " [ الطور : 30 ] - أرأيتم إن متنا أو رحمنا فأخرت آجالنا ، فمن يجيركم من عذاب الله ، فلا حاجة بكم إلى التربص بنا ، ولا إلى استعجال قيام الساعة . وأسكن الياء في " أهلكني " ابن محيصن والمسيبي وشيبة والأعمش وحمزة . وفتحها الباقون . وكلهم فتح الياء في " ومن معي " إلا أهل الكوفة فإنهم سكنوها . وفتحها حفص كالجماعة .
ولما كان من المعلوم أن من نهى آخر عن هواه وبالغ في ذلك ، أبغضه ذلك الناهي وتمنى هلاكه ، فكيف إذا والى عليه الإنذار والتخويف بما لا يصل إلى دركه عقله ، ولا يرى له مقدمة{[67129]} بتحققها ، وكان الكفار يسعون في هلاك النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه كل سعي ، وكان هلاك{[67130]} النذير إنما ينفع المنذر على تقدير نجاته من هول ما كان يحذره منه النذير ، أمره سبحانه أن{[67131]} يذكرهم بهذا لينظروا في ذلك المتوعد به ، فإن كان ممكناً سعوا في الخلاص مما قد يكون منه من العذاب ، وسلكوا في الهرب منه مسلكاً سهلاً بعيداً من سوء الانقلاب ، ودخلوا إلى فسيح المانع منه من أوسع باب ، أو كفوا{[67132]} عن السعي في هلاك النذير ، وطووا ما مدوا له من الأسباب ، ليدلهم إذا كان صادقاً على شيء يحميهم ، أو يخفف عنهم ذلك المصاب ، فقال منبهاً على شدة الحذر من مكر الله ، وعدم الاغترار به{[67133]} للمؤمن الطائع ، لعلمه أنه لا يقدر أن يقدر الله حق قدره ، فكيف بالعاصي فضلاً عن الكافر ، مكرراً للأمر بالقول تنبيهاً على أن كل جملة صدرت به ، كافية في الدلالة على مقصود السورة ، وعائدة إليه لما{[67134]} اشتملت عليه من باهر القدرة ووافر العظمة : { قل } أي {[67135]}يا أفضل الخلق كلهم وأشرفهم وأعظمهم وأتقاهم{[67136]} لهؤلاء الذين طال تضجرهم منك ، وهم يتمنون هلاكك {[67137]}حسداً منهم ، وعمى في قلوبهم ، وبعداً وطرداً ، قد استحكم واستدار بهم ، ذلك تقدير العزيز العليم{[67138]} { أرءيتم } أي أخبروني خبراً أنتم في الوثوق به على ما هو كالرؤية .
ولما كانوا غير عالمين بعاقبة الأمر في هلاكه ومن معه بما يقصدونهم به ، حذرهم عاقبة ذلك بالتعبير بأداة الشك ، وإسناد الإهلاك إلى الله ، معبراً عن الاسم الدال على تناهي العظمة إلى حد لا يدع لغيره منها شيئاً ، إعلاماً بأنه على القطع بأنه لا شيء في أيديهم ، فهو لا يخافهم بوجه فقال : { إن أهلكني } أي أماتني بعذاب أو غيره { الله } أي{[67139]} الذي له من صفات{[67140]} الجلال والإكرام ما يعصم به وليه ويقصم به عدوه ، { ومن معي } أي من المؤمنين والمناصرين رضي الله عنهم أجمعين بغضبه علينا ، مع ما لنا من الأسباب بالطاعة بالأعمال الصالحة ، التي رتب سبحانه عليها الفوز والنجاة ، حتى لا يبقى أحد{[67141]} ممن يكدر عليكم بالمنع من الهوى القائد إلى{[67142]} القوى ، والحث على العقل الضامن للنجاة . { أو رحمنا } بالنصرة وإظهار الإسلام كما نرجو ، فأنجانا{[67143]} بذلك من كل سوء ، ووقانا كل محذور ، وأنالنا كل سرور ، فالآية من الاحتباك : ذكر الإهلاك أولاً دليلاً على النجاة ثانياً ، والرحمة ثانياً دليلاً على الغضب أولاً . { فمن } وكان ظاهر الحال يقتضي : يجيركم مع طلبكم المسببات من الفوز والنجاة بغير أسباب ، بل بأسباب{[67144]} منافية للنجاة ، جالبة للعذاب ، فوضع الظاهر موضع الضمير {[67145]}تعميماً وتعليقاً{[67146]} للحكم بالوصف ، واستعطافاً لهم إلى إيقاع الإيمان والرجوع عن الكفران ، فقال : { يجير الكافرين } أي العريقين في الكفر ، بأن يدفع{[67147]} عنهم ما يدفع الجار عن جاره { من عذاب أليم * } يصيبهم به الذي{[67148]} هم عالمون بأنه لا شيء إلا{[67149]} بيده ، وإلا لنجى أحد من الموت الذي خلقه وقدره بين عباده ، جزاء على ما كانوا يؤلمون من يدعوهم إليه وينصحهم فيه ، فإذا كان لا ينجيهم من عذابه شيء ، سواء متنا أو بقينا ، فالذي ينبغي لهم إن كانوا عقلاء ، السعي فيما ينجي من عذابه ، لا السعي في إهلاك من هو ساع في خلاصهم من العذاب ، ولا يقدرون على إهلاكه أصلاً ، إلا بتقدير الذي أمره بإنذارهم .