صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا} (28)

{ وشددنا أسرهم } قوينا وأحكمنا خلقهم بإعطائهم جميع القوى . ومنها ربط مفاصلهم وأوصالهم بعضها ببعض بالعروق والأعصاب . يقال : أسره الله ، خلقه ؛ وبابه ضرب . وفرس شديد الأسر : أي الخلق . والأسر : القوة ؛ مشتق من الإسار – بالكسر – وهو القد الذي تشد به الأقتاب . يقال : أسرت القتب أسرا ، شددته وربطته ؛ ومنه الأسير لأنه يكتف بالأسار والمراد : الامتنان عليهم بأن الله تعالى سوى خلقهم وأحكمه ؛ ثم كفروا به .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا} (28)

قوله تعالى : " نحن خلقناهم " أي من طين . " وشددنا أسرهم " أي خلقهم ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم . والأسر الخلق . قال أبو عبيد : يقال فرس شديد الأسر أي الخلق . ويقال أسره الله جل ثناؤه إذا شدد خلقه . قال لبيد :

سَاهِمُ الوَجْهِ شديدٌ أَسْرُهُ *** مُشْرِفُ الحَارِكِ مُحْبُوكُ الكَتِدَ{[15709]}

وقال الأخطل :

من كل مُجْتَنِبٍ شديدٍ أسْرُهُ *** سَلِسِ القِيَادِ تَخَالُهُ مُخْتَالاَ{[15710]}

وقال أبو هريرة والحسن والربيع : شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب . وقال مجاهد في تفسير الأسر : هو الشرج ، أي إذا خرج الغائط والبول تقبض الموضع . وقال ابن زيد القوة . وقال ابن أحمر يصف فرسا :

يمشِي بأَوْظِفَةٍ شِدَادٍ أَسْرُهَا *** صُمِّ السَّنَابِكِ لا تَقِي بالجَدْجَدِ{[15711]}

واشتقاقه من الأسار وهو القد الذي يشد به الأقتاب . يقال : أسرت القتب أسرا أي شددته وربطه . ويقال : ما أحسن أسر قتبه أي شده وربطه . ومنه قولهم : خذه بأسره إذا أرادوا أن يقولوا هو لك كله . كأنهم أرادوا تعكيمه{[15712]} وشده لم يُفْتَح ولم يُنْقَص منه شيء . ومنه الأسير ، لأنه كان يكتف بالإسار . والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية . أي سويت خلقك وأحكمته بالقوي ثم أنت تكفر بي . " وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا " قال ابن عباس : يقول لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم . وعنه أيضا : لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها . كذلك روى الضحاك عنه . والأول رواه عنه أبو صالح .


[15709]:ورد في اللسان مادة (حبك) أنشد بيت لبيد على هذه الصورة: مشرف الحارك محبوك الكفل (وكذلك هو في ديوانه)، ومحبوك الكفل: مدمجه. وفي مادة حرك أنشد الشطر: مغبط الحارك محبوك الكفل * أما الشطر الذي في التفسير هنا فهو لأبي داود وقد مر في جـ 17 ص 32.
[15710]:مجتنب: مفتعل من الجنيبة وهي الفرس تقاد ولا تركب، وكانوا يركبون الإبل ويجنبون الخيل فإذا صاروا إلى الحرب ركبوا الخيل.
[15711]:الجدجد: الأرض الصلبة. ولا تقي: لا تتوقى ولا تتهيب.
[15712]:عكمت المناع شددته، والعكام الخيط الذي يعكم به، وعكمت البعير شددت عليه العكم.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا} (28)

{ وشددنا أسرهم } الأسر الخلقة ، وقيل : المفاصل والأوصال ، وقيل : القوة .

{ بدلنا أمثالهم تبديلا } أي : أهلكناهم وأبدلنا منهم غيرهم ، وقيل : مسخناهم فبدلنا صورهم وهذا تهديد .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا} (28)

ولما كان تركهم لليوم{[70779]} الثقيل على وجه التكذيب الذي هو أقبح الترك ، وكان تكذيبهم لاعتقادهم عدم القدرة عليه{[70780]} قال دالاً على الإعادة بالابتداء من باب الأولى : { نحن خلقناهم } ، بما لنا من العظمة لا غيرنا { وشددنا أسرهم } أي قوينا وأتقنا{[70781]} ربط مفاصلهم الظاهرة والباطنة بالأعصاب على وجه الإحكام بعد كونهم نطفة أمشاجاً{[70782]} في غاية الضعف ، وأصل الأسر ، القد يشد به الأقتاب أو الربط والتوثيق ، ولا شك أن من قدر على إنشاء شخص من نطفة قادر على أن يعيده كما كان لأن-{[70783]} جسده الذي أنشأه إن كان محفوظاً فالأمر فيه واضح ، وإن كان قد صار تراباً فإبداعه منه مثل إبداعه من النطفة ، وأكثر ما فيه أن يكون كأبيه{[70784]} آدم عليه السلام بل هو أولى فإنه ترابه له أصل في الحياة بما كان حياً ، وتراب آدم عليه السلام لم يكن له أصل قط في الحياة-{[70785]} والإعادة أهون في مجاري عادات{[70786]} الخلق من الابتداء ، و-{[70787]} لذلك قال معبراً بأداة التحقق : { وإذا شئنا } أي بما لنا من العظمة أن نبدل ما نشاء من صفاتهم أو ذواتهم { بدلنا أمثالهم } أي بعد الموت في الخلقة وشدة الأسر { تبديلاً * } أو{[70788]} المعنى : جئنا بأمثالهم بدلاً منهم وخلائف لهم ، أو يكون المراد - وهو أقعد - بالمثل الشخص أي بدلنا أشخاصهم لتصير بعد القوة إلى ضعف وبعد الطول إلى قصر وبعد البياض إلى سواد وغير ذلك من الصفات كما شوهد في بعض الأوقات في المسخ وغيره ، وكل ذلك دال على تمام قدرتنا وشمول علمنا .


[70779]:من ظ و م، وفي الأصل: اليوم.
[70780]:من ظ و م، وفي الأصل: عليهم.
[70781]:من م، وفي الأصل و ظ: أوثقنا.
[70782]:من ظ و م، وفي الأصل: أمشاج.
[70783]:زيد من ظ و م.
[70784]:من ظ و م، وفي الأصل: لأبيه.
[70785]:زيد من ظ و م.
[70786]:من ظ و م، وفي الأصل: العادات.
[70787]:زيد من ظ و م.
[70788]:من م، وفي الأصل و ظ "و".