الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

قوله : { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } إلى قوله : { مع الخالفين }[ 81 ، 83 ] .

{ خلاف رسول الله } : مفعول من أجله ، أو مصدر مطلق{[29397]} .

والمعنى : فرح الذين تخلفوا عن الغزو مع{[29398]} رسول الله عليه السلام{[29399]} ، بجلوسهم في منازلهم ، على الخلاف منهم لرسول الله عليه السلام ، لأنه أمرهم بالخروج معه فتخلفوا عنه ، وفرحوا{[29400]} بخلفهم ، وكرهوا الخروج في الحر{[29401]} .

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، استنفرهم{[29402]} في غزوة تبوك في حر شديد ، فقال بعضهم لبعض : { لا تنفروا في الحر }[ 81 ] ، قال الله عز وجل ، لنبيه عليه السلام { قل } لهم : { نار جهنم أشد حرا }[ 81 ] ، لمن خالف أمر الله ، وعصى رسوله ، عليه السلام{[29403]} من هذا الحر الذي تتواصون{[29404]} به بينكم أن لا تنفروا فيه ، فالذي هو أشد حرا ، يجب أن يتقي { لو كانوا يفقهون }[ 81 ] ، عن الله عز وجل ، وعظه{[29405]} .

وكان عدة من تخلف عن الخروج مع النبي عليه السلام ، في غزوة تبوك من المنافقين نيفا وثمانين رجلا{[29406]} .


[29397]:مشكل إعراب القرآن وإعرابه للزجاج 2/463: "...بمعنى مخالفة رسول الله، وهو منصوب؛ لأنه مفعول له، المعنى: بأن قعدوا لمخالفة رسول الله. ويقرأ "خلف" رسول الله، ويكون هاهنا أنهم تأخروا عن الجاهد في سبيل الله". فيكون في هذه الحالة ظرفا، والعامل فيه "مقعد" كما في التبيان 2/653، وللتوسع انظر: جامع البيان 14/398، والبحر المحيط 5/80، 81، والدر المصون 3/487.
[29398]:في الأصل: ومع، ولا يستقيم به السياق.
[29399]:في "ر": صلى الله عليه وسلم.
[29400]:في "ر": ففرحوا.
[29401]:جامع البيان 14/397، 398، بتصرف.
[29402]:في المخطوطتين: استفزهم، وأثبت ما في جامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[29403]:في "ر": صلى الله عليه وسلم.
[29404]:في "ر": يتواصون، وهو تصحيف.
[29405]:جامع البيان 14/399، باختصار. وفي زاد المسير 3/478، "قال ابن فارس: الفقه: العلم بالشيء. تقول: فقهت الحديث أفقهه، وكل علم بشيء: فقه، ثم اختص به علم الشريعة، فقيل لكل عالم بها: فقيه،...الفقه في إطلاق اللغة: الفهم، وفي عرف الشريعة: عبارة عن معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، بنحو التحليل، والتحريم، والإيجاب والإجزاء...".
[29406]:انظر: جوامع السيرة 198.