تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلِبُيُوتِهِمۡ أَبۡوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيۡهَا يَتَّكِـُٔونَ} (34)

الآيات 33 و34 و35 وقوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون } { ولبيوتهم أبوابا وسُررا عليها يتّكئون } { وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين } أي لولا أن يصير الناس كلهم على [ ملة ]{[18936]} واحدة ، وهو دين الكفر ، وإلا لجعلنا للكفار ما ذكرنا .

وفي{[18937]} الآية دلالة التزهيد في الدنيا لأنه ذكر أنه أعطى الكفار ما ذكر لولا رعاية قلوب ضَعَفة المؤمنين حتى لا يتحولوا إلى دين الكفر . فما منع الكافر ما منع إنما منع بسبب المؤمن ، فيجب أن يزهد فيها .

وفي الآية دلالة جوده وكرمه حين{[18938]} لم يمنع من عادى أولياءه عن{[18939]} نعيم الدنيا . وفي الشاهد أن من عادى آخر يمنعه ذلك من الفضل والمال .

وفيها دلالة هوان الدنيا على الله على ما ذكر أهل التأويل ؛ إذ لو كان لها عنده خطر وقدر لم يُعط الكافر منها جناح بعرضة أو جناح ذُبابة . فدلّ ذلك على هوانها على الله تعالى .

وفيه دلالة نقض قول المعتزلة حين{[18940]} قالوا : ليس على الله أن يفعل بعباده إلا ما هو أصلح لهم في الدين ، لأنه أخبر تعالى . أنه لولا ما يختار أهل الإيمان الكفر والدخول فيه ، وإلا جعل لأهل الكفر ما ذكر من جعل النعم . فلو كان الأصلح واجبا في الدنيا لكان يجب أن يُعطي لأهل [ الإيمان ]{[18941]} مثل ذلك الذي ذكر أنه لو أعطى لأهل الكفر ، فيكونون جميعا أهل كفر . وإذا أعطى ذلك لأهل الإيمان لا يكونون جميعا [ أهل الإيمان ]{[18942]} وهو الأصلح في الدين ، ومع ذلك لم يُعط . دلّ أنه ليس على الله تعالى حفظ الأصلح لهم في الدين ولا حفظ الأخير ، والله الموفّق .

والأصل في قوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن } الآية أنهم خُيّروا في هذه الدنيا [ بين ]{[18943]} أن يختاروا النعم الدائمة واللذة [ الباقية وبين أن يختاروا اللذة ]{[18944]} الفانية والنعمة الزائلة المنقطعة .

فمن اختار ، وآثر النّعم الدائمة واللذة الباقية على النعمة الزائلة واللذة [ الفانية ]{[18945]} ضيّق عليه النعم الزائلة واللذة الفانية لما آثر ، واختار الباقية على الفانية . ومن آثر الفانية الزائلة على الباقية الدائمة وسّع عليه الفانية لما اختار ، وآثر ، وهو ما ذكر في قوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا } { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيا وهو مؤمن } الآية [ الإسراء : ‍18 و19 ] بيّن لكل ما اختار ، وآثر من النعم الفانية والدائمة ، وذكر الفضة والذهب ، وإن كانت أشياء أُخر ، قد تكون أرفع وأعظم قدرا منها ، لأن هذين هما أعزّ الأشياء عندهم ، وبهما يوصل إلى كل رفيع وعظيم ، والله أعلم .

ثم ما ذكر من جعل السّقف والمعارج وما ذكر من الزخرف هو ردّ ما قاله فرعون في حق موسى عليه السلام : { فلولا أُلقي عليه أسوِرة{[18946]} من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين } [ الزخرف : 53 ] أي لخساسة الدنيا وهوانها لم يُعط الأولياء والأخيار من عباده . ولولا ما يكون من ترك أهل الإيمان وإلا لكان في حق كل كافر سُئل ما فعل في حق فرعون وأمثاله ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين } أي كل ما ذكر ليس إلا متاع الحياة الدنيا أعطى من آثره{[18947]} على نعيم الآخرة ، والعاقبة للمتقين لما{[18948]} اختاروها على غيرها ، والله المستعان .

قال القتبيّ : المعارج ، يقال : عرج أي صعِد ، ومنه المعراج لأنه سبب إلى السماء ، أي{[18949]} طرق { عليها يظهرون } أي يعلنون ؛ ظهرت على البيت إذا علوت سطحه ، والزخرف : الذهب . وكذا قول أبي عوسجة : المعارج المصاعد ، والمعراج المِصعد ، والزخرف كل شيء حسن ، والزخرفة التحسين والتزيين . وهذا أشبه .

ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { إذا أخذت الأرض زُخرفها } [ يونس : 24 ] أي زينتها وحسنها ، والسقف هو سماء البيت .


[18936]:من م، ساقطة من الأصل.
[18937]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[18938]:في الأصل وم: حيث.
[18939]:في الأصل وم: عاداه.
[18940]:في الأصل وم: حيث.
[18941]:من م، ساقطة من الأصل.
[18942]:من م، في الأصل: لأهل.
[18943]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[18944]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[18945]:ساقطة من الأصل وم.
[18946]:في الأصل وم: اساور. انظر معجم القراءات القرآنية ج6/119.
[18947]:الهاء ساقطة من الأصل وم.
[18948]:في الأصل وم: كما.
[18949]:في الأصل وم: أو.