اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِبُيُوتِهِمۡ أَبۡوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيۡهَا يَتَّكِـُٔونَ} (34)

قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً } اعلم أنه تعالى أجاب هَهُنَا بوجْهٍ ثالث عن شُبْهَتِهِمْ بتفضيل الغني على الفقير ، وهو أنه تعالى بين أن منافع الدنيا وطيباتها حقيرة خسيسة عند الله تعالى وبين حقارتها بقوله : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } والمعنى لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لأعطيتهم أكثر الأسباب المفيدة للنعم فأحدها : أن يكون سقْفُهُمْ مِنْ فِضَّةٍ . وثانيها : مَعارجَ عَلَيْهَا يَظْهِرُونَ أي يَعْلُون ويَرْتَقُونَ ، يقال : ظَهَرْتُ عَلَى السَّطْحِ إذَا عَلَوْته{[49796]} .

وثالثها : «أن يجعل لبيوتهم أبواباً وسرراً أيضاً من فضة عليها يتَّكِئُونَ »{[49797]} .

قوله : { لِبُيُوتِهِمْ } بدل اشتمال{[49796]} ، بإعادة العامل{[49797]} ، واللامان للاخْتِصَاص{[3]} .

وقال ابن عطية : الأولى للمِلْكِ{[4]} ، والثانية للاختصاص{[5]} . ورده أبو حيان : بأن الثاني بدل فيشترط أن يكون ( الحرف ){[6]} متحد المعنى لا مختلفه{[7]} . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك : وَهَبْتُ لَهُ ثَوْباً لِقَمِيصِهِ{[8]} . قال أبو حيان : ولا أدري ما أراد بقوله{[9]} . قال شهاب الدين : أراد بذلك أن اللامين للعلة ، أي كانت الهبة لأجلك لأجل قميصك ، فلقميصك بدل اشتمال ، بإعادة العامل بِعَيْنِهِ وقد نقل أن قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ } [ الأنعام : 84 ] و [ الأنبياء : 72 ] و [ العنكبوت : 27 ] أنها{[10]} للعلة .

قوله : { سَقْفاً } قرأ ابنُ كَثيرٍ ، وأبو عمرو بفتح السين ، وسكون القاف بالإفراد ، على إرادة الجنس والباقون بضمتين على الجمع ( كرُهُن ){[11]} في جمع رَهْنٍ{[12]} . وفي رهن تأويل لا يمكن هنا ، وهو أن يكون جمع رِهَان جمع رَهْن ، لأنه لم يسمع سِقَاف جمع سَقْف{[13]} .

وعن الفراء أنه جمع سَقِيفَةٍ{[14]} فيكون كصَحِيفَةٍ ، وصُحُفٍ . وقرئ : سَقَفاً بفتحتين لغة في سَقْفٍ{[15]} ، وسُقُوفاً{[16]} بزنة فَلسٍ وفُلُوساً . وأبو رجاء بضمة وسكون{[17]} .

و«مِنْ فِضَّةٍ » يجوز أن يتعلق بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف صفة «لسُقفٍ » .

قوله : { ومعارج } قرأ العامة مَعَارجَ جمع «مِعْرَج » وهو السلم وطلحة{[18]} مَعَارِيج{[19]} جمع مِعْرَاج وهو كمِفْتَاح لمِفْتَح ، وَمَفَاتِيح لمِفْتَاحٍ .

قوله : { وَسُرُراً } جمع «سرير » والعامة على ضم الراء . وقرئ بفتحها ، وهي لغة بعض تميم وكَلْبٍ{[20]} وقد تقدم أن «فعيلاً » المضعف يفتح عينه ، إذا كان اسماً ، أو صفة نحو : ثَوْبٌ جَدِيدٌ ، وثِيَابٌ جُدَدٌ . وفيه كلام للنحاة{[21]} . وهل قوله : «مِنْ فِضّةٍ » شامل للمعارج والأثواب والسُّرُر ؟ .

فقال الزمخشري : نعم{[22]} ، كأنه يرى تشريك المعطوف مع المعطوف عليه في قيوده . وَ «عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ » و«عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ » صفتان لما قبلهما .


[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.
[17]:ينظر: السبعة 200، والكشف 1/334، والحجة، 3/6 والبحر المحيط 2/389، والدر المصون 2/5.
[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".
[19]:ينظر: المشكل 1/ 123.
[20]:ينظر: الكتاب 2/107.
[21]:ينظر: البحر المحيط 2/391.
[22]:سقط في ب.
[49796]:القرطبي السابق وانظر غريب القرآن 397.
[49797]:الرازي 27/211.