تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَعِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (85)

الآية 85 وقوله تعالى : { وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما } قوله : { وتبارك } قال أهل التأويل : أي تعالى ، وتعاظم عمّا قالت المُلحِدة فيه من الشريك والولد والصاحبة وغير ذلك مما [ لا ]{[19055]} يليق به ، ولا يجوز ، فيكون تنزيها عن جميع ما قالوا فيه ، وهو كحرف : سبحان الذي يكون تنزيها عما قالوا فيه ، والله أعلم .

قال بعض أهل الأدب : تبارك ، هو من البركة . لكن بعض العلماء قالوا : إن هذا التأويل لا يصح لأن قوله : { وتبارك } هو من وقوع البركة بنفسه ، فهو اسم ملازم ، ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بوقوع البركة [ عليه ]{[19056]} .

لكن عندنا : تبارك : تفاعل ، والتفاعل هو فعل اثنين . فجائز نسبة البركة إليهما على حقيقة وقوعهما بأحدهما ، وهو الخلق للإيصال على ما هو الأصل في مثل هذا . وله نظائر كثيرة .

وأصل تأويل : تبارك ما قاله أهل التأويل : تعالى ، وتعاظم عن جميع ما قالت المُلحِدة فيه مما لا يليق به من الولد والشريك وغير ذلك . لكن هو على التأويل لا على تحقيق الاسم .

فنظيره ما فسّروا في قوله : ( وتعالى جدُّك ) [ الترمذي ‌243 ] أي عظمتك . والجد هو في الحقيقة ليس اسم العظمة ، ولكن هو خروج الأمر على ما يريد وما يشاء . وتسمية الناس في ما بينهم بالفارسية بختا ؛ فسّروا الجد بالعظمة لنفاذ مشيئة العظيم وخروج الأمور على ما يريده ، ويشاؤه .

فعلى ذلك تفسيرهم تبارك بما قالوا : تعالى ، وتعاظم على التأويل لا على تحقيق الاسم ؛ إذ هو من البركة . لكن كل من بورك فيه صار متعاليا ، فأطلقوا عليه تبارك بمعنى تعالى لا بمعنى حقيقة البركة ، هو الاسم ، والله أعلم .

ثم قوله : { وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما } بيان منه وتعليم للخلق ما تجوز النسبة إليه ، فقال : { له ملك السماوات والأرض } [ البقرة : 107 و . . . ] وقال : { له ما في السماوات والأرض } [ البقرة : 116 و . . . ] ونحو ذلك ، يبيّن لهم أن انسُبوا إليه [ هذا ، ولا تنسبوا إليه ]{[19057]} من الولد والشريك والصاحبة ونحو ذلك لأن نسبة الأشياء بكلّيّتها تُخرّج مُخرج الوصف له بالعظمة والجلال نحو ما ذكرنا من قوله تعالى : { له ملك السماوات والأرض } وقوله : { وهو بكل شيء عليم } [ البقرة : 29 و . . . ] وقوله : { على كل شيء قدير } [ البقرة : 20 و . . . ] وقوله : { خالق كل شيء } [ الأنعام : 102 ] .

ونسبة خاصية الأشياء إليه تُخرّج مُخرج التعظيم والتبجيل لتلك الأشياء ، ثم يُنظر بعد هذا ؛ فإن كانت تلك الأشياء الخاصية مما يجوز تعظيمها نُسبت إليه ، وأُضيفت ، نحو قوله[ : { أن طهِّرا بيتي للطائفين } [ البقرة : 125 و . . . ] ]{[19058]} وقوله{[19059]} : { مساجد الله } [ البقرة : 114 و . . . ] وقوله : { رسول الله } [ الأحزاب : 21 و . . . ] وغير ذلك من الأشياء التي يعظّمها الله تعالى ، ويرفع قدرها ومنزلتها عنده .

وإن كانت الأشياء مما يُستقذر ، ويُستقبح ، ويُسترذل ، فلا تجوز النسبة إليه والإضافة لما ذكرنا أن نسبتها إليه وإضافتها تخرّج مخرج التعظيم لها ، وهي ليست بمعظّمة ، ولكنها مسترذلة ، مستقذرة ، فيكون وضع الشيء في غير موضعه ، وإنه خلاف الحكمة ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { وعنده علم الساعة } يخرّج على وجوه :

أحدها : أي عنده علم ساعة الصّعقة كقوله تعالى : { ونُفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض } الآية [ الزمر : 68 ] .

[ والثاني ]{[19060]} : يحتمل : { وعنده علم الساعة } الزلزلة كقوله : { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } [ الحج : 1 ] .

[ والثالث ]{[19061]} : يحتمل : { وعنده علم الساعة } الفزع والهول كقوله : { ففزع من في السماوات ومن في الأرض } [ النمل : 87 ] .

[ والرابع ]{[19062]} : يحتمل : { وعنده علم الساعة } القيامة كقوله تعالى : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } /502-أ/ ونحو ذلك والله أعلم .

أخبر أنه لم يُطلع الله عز وجل [ علم ]{[19063]} حقيقة ما ذكر أحدا من خلقه .

وقوله تعالى : { وإليه ترجعون } قد ذكرنا في غير موضع أن تخصيص ذلك بالرجوع إليه يخرّج على وجوه ، وإن كانوا في جميع الأحوال راجعين فيه إلى الله تعالى صائرين إليه :

أحدها : لأن المقصود من إنشائهم ذلك ؛ أعني البعث كي لا يكون خلقُهم عبثا على ما ذكرنا غير مرة .

[ والثاني ]{[19064]} : يحتمل أنه خصّ ذلك اليوم بالرجوع إليه والمصير والخروج لأنه يومئذ يخلُص خروجهم ورجوعهم إليه وانقيادهم له ، وقد ذكرنا ، والله أعلم .


[19055]:من م، ساقطة من الأصل.
[19056]:ساقطة من الأصل وم.
[19057]:من م، ساقطة من الأصل.
[19058]:في الأصل وم: بيت الله.
[19059]:في الأصل وم: و.
[19060]:في الأصل وم: و.
[19061]:في الأصل وم: و.
[19062]:في الأصل وم: و.
[19063]:من م، ساقطة من الأصل.
[19064]:في الأصل وم: و.