تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (86)

الآية 86 وقوله تعالى : { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } إن قوما كانوا يعبدون الملائكة رجاء أن يكونوا لهم شُفعاء لما عرفوا من خصوصيتهم وفضلهم عند الله ، وذلك معروف في الناس أنهم يخدمون ، ويكرمون خواص ملوكهم رجاء أن يشفع لهم أولئك الخواص عند الملك إذا نزل بهم بلاء ، ووقعت [ لهم ]{[19065]} حاجة يوما من الدهر . فعلى ذلك هؤلاء الكفرة كانوا يعبدون الملائكة لما عرفوا من خصوصيتهم وفضل منزلتهم عند الله .

ثم أخبر عز وجل من الملائكة أنهم لا يملكون الشفاعة بقوله : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] . وهو كقوله{[19066]} : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } أي إلا لمن شهد بوحدانية الله تعالى وألوهيته ، لا يشفعون لأولئك ، إنما يشفعون لمن ذكر ، وإن كانت لهم خصوصية عند الله لأن الله عز وجل نهى أولئك أن يعبدوا الملائكة ، ويعظّموهم من جهة العبادة . لذلك لا يملكون الشفاعة ، فيكون مثل هذا مثل ملك نهى قومه أن يخدموا ، أو يعظّموا أحدا سواه من خواصّه . فإذا فعلوا ذلك ، وخدموهم وتركوا نهيه ، لا يملك أولئك الخواص ، ولا يتجاسرون على طلب الشفاعة عند الملك لأولئك الذين نهاهم الملك أن يخدموهم ، ويعظّموهم دونه .

فعلى ذلك الملائكة لم يجعل لهم شفاعة لأولئك الذين عبدوهم دونه إلا لمن ذكر ، وهم الذين شهدوا بالحق ، وقاموا بعبادة الله تعالى فقد أذن لهم بالشفاعة لأولئك ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون قوله : { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } أي لو كانت لهم الشفاعة لكانت لا تنفعهم شفاعتهم ، ليس أن يكون لهم شفاعة أو شفعاء ، وهو كقوله تعالى : { لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه } الآية [ المائدة : 36 ] وكقوله عز وجل : { ولا يُقبل منها عدل } الآية [ البقرة : 123 ] .

فعلى ذلك يحتمل قوله عز وجل : { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } أي لا تنفعهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } يخرّج قوله : { وهم يعلمون } على وجهين :

أحدهما : يرجع إلى الملائكة ، فيكون كأنه يقول : ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ، وهم يعلمون أنهم لا يملكون الشفاعة .

والثاني : يرجع إلى من شهد بالحق ، فيكون كأنه يقول : ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون أنهم يشهدون بالحق ، والشهادة بالحق ما ذكرنا ؛ يعني يشهدون على وحدانية الله وألوهيته وأنه المستحق العبادة دون من عبدوهم ، والله أعلم .


[19065]:من م، ساقطة من الأصل.
[19066]:في الأصل وم: قوله.