تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَقَدۡ جِئۡنَٰكُم بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ} (78)

الآية 78 وقوله تعالى : { لقد جئناكم بالحق } هذا على إثر ما ذكر : { إنا لننصر رسلنا } [ غافر : 51 ] على إثر قوله : { أوَلم تك تأتيكم رُسلكم بالبينات } الآية [ غافر : 50 ] يحتمل أن يكون القولان جميعا من الله تعالى ؛ أعني قوله تعالى : { لقد جئناكم بالحق } وقوله تعالى : { إنا لننصر رسلنا } والله أعلم . ويكون أن يكون العذاب جميعا من الملائكة ؛ إذ جائز إضافة الرسل إلى الملائكة ، إذ هم رسل [ كقول ]{[19041]} الناس : رسولنا فعلى كذا ، والله أعلم .

ثم قوله : { لقد جئناكم بالحق } الحق كل ما يُحمد عليه ، ويحمد هو عاقبة ذلك الفعل ، والباطل كل ما يُذمّ عليه فاعله ، ويذمّ هو عاقبته ، والله أعلم .

ثم الحق المذكور يحتمل القرآن ، ويحتمل الحق ما تركوا اتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما دعاهم إليه . ويقولون : الحق ، هو الذي عليه آباؤنا { وإنا على آثارهم مقتدُون } [ الزخرف : 23 ] .

ثم قال : { قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم } [ الزخرف : 24 ] وقال ههنا : { لقد جئناكم بالحق } أي جئناكم بما هو أهدى وأحق مما عليه آباؤكم .

وقوله تعالى : { ولكن أكثركم للحق كارهون } فإن قيل : كيف قال : { ولكن أكثرهم للحق كارهون } وإنما خاطب به أهل النار ، وكانوا جميعا كارهين للحق ؟ نقول : إنه يُخرّج على وجهين :

أحدهما : أن أكثرهم قد عرفوا أنه الحق ، لكنهم كرهوا اتباعه والانقياد له عنادا منهم ومكابرة بعد ظهور الحق عندهم وتبيّنه لديهم مخافة ذهاب الرئاسة عنهم وزوال مأكلتهم ، ولم يظهر لأقلّهم ، ولم يعرفوه ، والله أعلم .

[ والثاني : ]{[19042]} أن يكون ما ذكر من كراهة أكثرهم للحق بحق الطّباع ؛ كان في طباع أكثرهم كراهة ذلك الحق ، والله أعلم .


[19041]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[19042]:في الأصل وم: ويحتمل.