تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (34)

الآيتان 33 و34 وقوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان } [ { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ]{[20305]} له تأويلان :

أحدهما : كأنه لو مكّن لكم النفاذ من أقطار السماوات والأرض ونواحيها ، فانفذوا ، فتجدوا هنالك ، وتروا من آيات من كذّب بالرسل صلى الله عليهم وسلم وما حل بهم بالتكذيب .

ثم قال : { لا تنفذون إلا بسلطان } أي لا تنفذون ، لو مكّن لكم من النفاذ ، إلا تجدون حجج من أهلك منهم ظاهرة أنه بم أهلكهم ؟ وهو كقوله تعالى : { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } [ الأنعام : 11 ] أمرهم بالسير في الأرض والتدبر في آثار من أهلك بماذا أهلك من أهلك منهم ، وبماذا نجا من نجا ، والله أعلم .

والثاني : على الإعجاز أي لا تستطيعون أن تخرجوا أو تنفذوا من أقطار السماوات والأرض ، ولو مكن لكم من النفاذ والخروج منها لوجدتم ثم سلطاني وحججي وملكي هنالك قائما ، أي لا تقدرون على الخروج من سلطاني وملكي حيثما كنتم بل حيثما سرتم وكنتم [ فأنتم ]{[20306]} في سلطاني وملكي ، فلا تتخلصون من الموت والهلاك ، وهو كقوله تعالى : { فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء } الآية [ الأنعام : 35 ] .

وقال الضحاك في حرف ابن مسعود رضي الله عنه : { يا معشر الجن والإنس } قد جاء أجلكم فانفذو من أقطارهما { لاتنفذون إلا بسلطان } مني ؛ يعني أنه لا ينجيكم أحد من الموت ، وأنتم ميتون ، أي لا تأتون قطرا من أقطار السماوات والأرض إلا تجدون{[20307]} هنالك سلطان الله وملكوته .

يقول : لا تستطيعون فرارا من الموت ولا محيصا ، وإن نفذتم من أقطار السماوات والأرض فلن تخرجوا من سلطاني ، وأنا آخذكم بالموت حيث كنتم ، وهو كقوله تعالى : { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } [ النساء : 78 ] .

وقال بعضهم : يبعث الله تعالى ملائكة عند الحشر ، فيحيطون بالدنيا ، فلا يستطيع شيطان ولا إنس ولا جان [ يكون في أقطارها ]{[20308]} أن يخرج من الأقطار ، ولو خرجوا كانوا في سلطان الله .

وقيل : { إلا بسلطان } أي بحجة . وقال قتادة : إلا بملك . وقال [ بعضهم ]{[20309]} : إلا بقدرة الله تعالى ، والله اعلم .


[20305]:ساقطة من الأصل و م.
[20306]:ساقطة من الأصل و م.
[20307]:في الأصل و م وجدوا.
[20308]:أدرجت في الأصل وم بعد: بالدنيا.
[20309]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.