تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

الآيتان 31 و32 وقوله تعالى : { سنفرغ لكم أيه الثقلان } [ { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ]{[20301]} قرئ { سنفرغ } بالنون والياء{[20302]} وبرفع الراء في الحالين .

قال أبو عبيد : بالياء يقرؤها [ حمزة والكسائي وغيرهما ]{[20303]} كقوله تعالى : { يسئله من في السماوات والأرض } [ الآية : 29 ] ذكر على المغايبة .

فكذلك هذا الذي بني عليه . قال الزجاج : قوله تعالى : { سنفرغ لكم } ليس هو الفراغ عن الشغل ، لكن كما يقول الرجل لآخر : سأفرغ لك كذا أي سأجعل لك ، أو كلام نحوه .

ومنهم من يقول : هذا على الوعيد ؛ في كلام العرب يقول الرجل : سأفرغ لك ، وإني لفارغ على الوعيد . وقال أبو بكر الكيسانيّ : إن الفراغ ليس يستعمل في الفراغ من الشغل خاصة ، لكن يستعمل له ولغيره من نحو إنجاز ما وعد ، وأوعد ، كأنه قال : سننجز لكم ما أوعدتكم { أيه الثقلان } .

وعندنا أن الفراغ هو اسم لانقضاء الفعل وتمامه لا للفراغ من الشغل ؛ يقال : فلان فرغ من شغله ، إذا فرغ من بناء داره ، إذا أتمه ، وانقضى ذلك .

ألا ترى أنه ، وإن فرغ من شغل تلك الدار وذلك العمل ، فهو مشغول بغيره ؟ دل أنه ليس باسم للفراغ من الشغل ؛ إذ لو كان اسما للفراغ من الشغل لا يوصف به ، وهو مشغول بغيره . دل أنه اسم للتمام والانقضاء . لكن فهم الخلق بعضهم من بعض الفراغ من الشغل لما أن فعلهم الشيء لا يلتئم إلا بالشغل في ذلك ، ففهم ذلك من فعلهم .

فأما الله سبحانه وتعالى حين{[20304]} لا يشغله فعل عن فعل ولا شيء عن شيء لم يجز أن يفهم من فراغه من الشغل فراغه ، وبالله العصمة والتوفيق .


[20301]:ساقطة من الأصل وم.
[20302]:انظر معجم الآيات القرآنية ج7/50.
[20303]:انظر المرجع السابق: الجزء و الصفحة.
[20304]:في الأصل وم: حيث.